و مراتب الصديقين في العزائم تختلف، فقديصادف العزم و لا ينتهى به إلى أن يرضىبالقتل فيه، و لكن إذا خلي و رأيه لم يقدم،و لو ذكر له حديث القتل لم ينقض عزمه بل فيالصادقين و المؤمنين من لو خير بين أن يقتلهو أو أبو بكر كانت حياته أحب إليه من حياةأبي بكر الصديق
الصدق الرابع: في الوفاء بالعزم
فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذ لامشقة في الوعد و العزم، و المؤنة فيهخفيفة، فإذا حقت الحقائق، و حصل التمكن، وهاجت الشهوات انحلت العزيمة، و غلبتالشهوات، و لم يتفق الوفاء بالعزم. و هذايضاد الصدق فيه. و لذلك قال الله تعالى(رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهعَلَيْهِ) فقد روي[1] عن أنس أن عمه أنس بنالنضر لم يشهد بدرا مع رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم، فشق ذلك على قلبه و قال:
أول مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليهوسلّم غبت عنه، أما و الله لئن أرانى اللهمشهدا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّمليرين الله ما أصنع. قال فشهد أحدا فيالعام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ فقال:يا أبا عمرو إلى أين فقال و لها لريحالجنة، إنى أجد ريحها دون أحد. فقاتل حتىقتل، فوجد في جسده بضع و ثمانون، ما بينرمية، و ضربة، و طعنة. فقالت أخته بنتالنضر: ما عرفت أخي إلا بثيابه. فنزلت هذهالآية (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهعَلَيْهِ)[2] و وقف رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم على مصعب بن عمير، و قد سقط علىوجهه يوم أحد شهيدا و كان صاحب لواء رسولالله صلّى الله عليه وسلّم فقال عليهالسلام (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهعَلَيْهِ فَمِنْهُمْ من قَضى نَحْبَهُوَ مِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ). و قال[3]فضالة بن عبيد: سمعت
[1] حديث أنس ان عمه أنس بن النضر لم يشهدبدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-الحديث: في قوله بأحد حتى قتل فوجد في جسدهبضع و ثمانون من بين رمية و ضربة و طعنةنزول رجال صدقوا الآية الترمذي و قال حسنصحيح و النسائي في الكبرى و هو عند البخاريمختصرا ان هذه الآية نزلت في أنس بن النضر
[2] حديث وقف على مصعب بن عمير و قد سقط علىوجهه يوم أحد و قرأ هذه الآية: أبو نعيم فيالحلية من رواية عبيد بن عمير مرسلا
[3] حديث فضالة بن عبيد عن عمر بن الخطابالشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الايمان-الحديث:
الترمذي و قال حسن