بيان سر قوله صلّى الله عليه وسلّم[1]«نية المؤمن خير من عمله»
اعلم أنه قد يظن أن سبب هذا الترجيح أنالنية سر لا يطلع عليه إلا الله تعالى، والعمل ظاهر، و لعمل السر فضل، و هذا صحيح. ولكن ليس هو المراد، لأنه لو نوى أن يذكرالله بقلبه، أو يتفكر في مصالح المسلمين،فيقتضى عموم الحديث أن تكون نية التفكرخيرا من التفكر و قد يظن أن سبب الترجيح أنالنية تدوم إلى آخر العمل، و الأعمال لاندوم، و هو ضعيف لأن ذلك يرجع معناه إلى أنالعمل الكثير خير من القليل، بل ليس كذلك،فإن نية أعمال الصلاة قد لا تدوم إلا فيلحظات معدودة، و الأعمال تدوم. و العموميقتضي أن تكون نيته خيرا من عمله. و قديقال: إن معناه أن النية بمجردها خير منالعمل بمجرده دون النية، و هو كذلك، و لكنهبعيد أن يكون هو المراد، إذا العمل بلا نيةأو على الغفلة لا خير فيه أصلا، و النيةبمجردها خير. و ظاهر الترجيح للمشتركين فيأصل الخير بل المعنى به أن كل طاعة تنتظمبنية و عمل، و كانت النية من جملة الخيرات،و كان العمل من جملة الخيرات، و لكن النيةمن جملة الطاعة خير من العمل، أي لكل واحدمنهما أثر في المقصود، و أثر النية أكثر منأثر العمل. فمعناه نية المؤمن من جملةطاعته خير من عمله الذي هو من جملة طاعته. والغرض أن للعبد اختيارا في النية و فيالعمل، فهما عملان، و النية من الجملةخيرهما. فهذا معناه و أما سبب كونها خيرا ومترجحة على العمل، فلا يفهمه إلا من فهممقصد الدين و طريقه و مبلغ أثر الطريق فيالاتصال إلى المقصد، و قاس بعض الآثاربالبعض، حتى يظهر له بعد ذلك الأرجحبالإضافة إلى المقصود. فمن قال الخبز خيرمن الفاكهة فإنما يعنى به أنه خيربالإضافة إلى مقصود القوت و الاعتذاء، ولا يفهم ذلك الا من فهم أن للغذاء مقصدا وهو الصحة و البقاء، و أن الأغذية مختلفةالآثار فيها، و فهم أثر كل واحد، و قاسبعضها بالبعض. فالطاعات غذاء للقلوب، والمقصود شفاؤها، و بقاؤها، و سلامتها فيالآخرة
[1] حديث نية المؤمن خير من عمله: الطبرانيمن حديث سهل بن سعد و من حديث النواس بنسمعان و كلاهما ضعيف