و الثانية: أن لا يظلم مسلما آخر، فيكون ماله فداء لمال مسلم آخر. و مهما ينوي حراسةمال غيره بمال نفسه، أو ينوي دفع المعصيةعن السارق، أو تخفيفها عليه، فقد نصحللمسلمين، و امتثل قوله صلّى الله عليهوسلّم[1] «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، و عفوه عنهإعدام للظلم و منع له. و لتحقق أن هذه النيةلا تضره بوجه من الوجوه. إذ ليس فيها مايسلط السارق و يغير القضاء الأزلي، و لكنيتحقق بالزهد نيته، فإن أخذ ماله كان لهبكل درهم سبعمائة درهم، لأنه نواه و قصده،و إن لم يؤخذ حصل له الأجر أيضا كما روي عنرسول الله صلّى الله عليه وسلّم[2] فيمنترك العزل فأقرّ النطفة قرارها أن له أجرغلام ولد له من ذلك الجماع، و عاش، فقتل فيسبيل الله تعالى، و إن لم يولد له لأنه ليسأمر الولد إلا الوقاع. فأما الخلق، والحياة، و الرزق، و البقاء فليس إليه. فلوخلق لكان ثوابه على فعله، و فعله لم ينعدم،فكذلك أمر السرقة
الرابع: أنه إذا وجد المال مسروقا فينبغيأن لا يحزن
بل يفرح إن أمكنه و يقول: لو لا أن الخيرةكانت فيه لما سلبه الله تعالى. ثم إن لم يكنقد جعله في سبيل الله عز و جل فلا يبالغ فيطلبه، و في إساءة الظن بالمسلمين. و إن كانقد جعله في سبيل الله فيترك طلبه، فإنه قدقدّمه ذخيرة لنفسه إلى الآخرة. فإن أعيدعليه فالأولى أن لا يقبله بعد أن كان قدجعله في سبيل الله عز و جل. و إن قبله فهو فيملكه في ظاهر العلم، لأن الملك لا يزولبمجرد تلك النية، و لكنه غير محبوب عندالمتوكلين. و قد روي أن ابن عمر سرقت ناقتهفطلبها حتى أعيا، ثم قال: في سبيل اللهتعالى. فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين،فجاءه رجل فقال:
يا أبا عبد الرحمن، إن ناقتك في مكان كذا.فليس نعله و قام ثم قال أستغفر الله و جلس:
فقيل له ألا تذهب فتأخذها فقال، إنى كنتقلت في سبيل الله و قال بعض الشيوخ: رأيتبعض إخواني في النوم بعد موته، فقلت ما فعلالله بك
قال غفر لي و أدخلنى الجنة، و عرض عليّمنازلى فيها فرأيتها. قال و هو مع ذلك كئيبحزين، فقلت قد غفر لك و دخلت الجنة و أنتحزين، فتنفس الصعداء ثم قال: نعم إنى
[1] حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوما: متفقعليه من حديث أنس و قد تقدم
[2] حديث من ترك العزل و أفر النطفة قرارهاكان له أجر غلام- الحديث: لم أجد له أصلا