محب بحبيبه مشغوف، و عن غير حبيبه مصروف. وقد ورد في حب الله تعالى من الأخبار والآثار ما لا يدخل في حصر حاصر، و ذلك أمرظاهر، و إنما الغموض في تحقيق معناهفلنشتغل به
بيان حقيقة المحبة و أسبابها و تحقيق معنىمحبة العبد للَّه تعالى
[البحث في معرفة حقيقة المحبة]
اعلم أن المطلب من هذا الفصل لا ينكشف إلابمعرفة حقيقة المحبة في نفسها، ثم معرفةشروطها و أسبابها، ثم النظر بعد ذلك فيتحقيق معناها في حق الله تعالى
فأوّل ما ينبغي أن يتحقق أنه لا يتصوّرمحبة إلا بعد معرفة و إدراك
إذ لا يجب الإنسان إلا ما يعرفه، و لذلك لميتصوّر أن يتصف بالحب جماد، بل هو من خاصيةالحي المدرك ثم المدركات في انقسامهاتنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك و يلائمه ويلذه، و إلى ما ينافيه و ينافره و يؤلمه، وإلى ما لا يؤثر فيه بإيلام و إلذاذ. فكل مافي إدراكه لذة و راحة فهو محبوب عندالمدرك، و ما في إدراكه ألم فهو مبغوض عندالمدرك، و ما يخلو عن استعقاب ألم و لذة ولا يوصف بكونه محبوبا و لا مكروها. فإذا كللذيذ محبوب عند الملتذ به و معنى كونهمحبوبا أن في الطبع ميلا إليه. و معنى كونهمبغوضا أن في الطبع نفرة عنه.
فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيءالملذ، فإن تأكد ذلك الميل و قوي سمي عشقا،و البغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلمالمتعب، فإذا قوي سمي مقتا. فهذا أصل فيحقيقة معنى الحب لا بد من معرفته
الأصل الثاني
أن الحب لما كان تابعا للإدراك و المعرفةانقسم لا محالة بحسب انقسام المدركات والحواس، فلكل حاسة إدراك لنوع منالمدركات، و لكل واحد منها لذة في بعضالمدركات. و للطبع بسبب تلك اللذة ميلإليها، فكانت محبوبات عند الطبع السليم.فلذة العين في الإبصار، و إدراك المبصراتالجميلة، و الصور المليحة الحسنةالمستلذة و لذة الأذن في النغمات الطيبةالموزونة. و لذة الشم في الروائح الطيبة. ولذة الذوق في الطعوم.
و لذة اللمس في اللين و النعومة. و لماكانت هذه المدركات بالحواس ملذة كانتمحبوبة أي كان للطبع السليم ميل إليها. حتىقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[1]«حبّب إليّ من
[1] حديث حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء- الحديث: النسائي من حديث أنس دونقوله ثلاث و قد تقدم