أحدهما: قطع علائق الدنيا و إخراج حب غيرالله من القلب
فإن القلب مثل الإناء الذي لا يتسع للخلمثل ما لم يخرج منه الماء (ما جَعَلَ اللهلِرَجُلٍ من قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ) وكمال الحب في أن يحب الله عز و جل بكل قلبه،و ما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبهمشغولة بغيره. فبقدر ما يشغل بغير اللهينقص منه حب الله. و بقدر ما يبقى من الماءفي الإناء ينقص من الخل المصبوب فيه. و إلىهذا التفريد و التجريد الإشارة بقولهتعالى (قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فيخَوْضِهِمْ) و بقوله تعالى (إِنَّالَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّاسْتَقامُوا) بل هو معنى قولك لا إله إلاالله، أي لا معبود و لا محبوب سواه، فكلمحبوب فإنه معبود فإن العبد هو المقيد، والمعبود هو المقيد به، و كل محب فهو مقيدبما يحبه. و لذلك قال الله تعالى (أَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وقال صلّى الله عليه وسلّم «أبغض إله عبد فيالأرض الهوى» و لذلك قال عليه السلام
«من قال لا إله إلّا الله مخلصا دخلالجنّة» و معنى الإخلاص أن يخلص قلبهللَّه، فلا يبقى فيه شرك لغير الله فيكونالله محبوب قلبه، و معبود قلبه، و مقصودقلبه فقط و من هذا حاله فالدنيا سجنه،لأنها مانعة له من مشاهدة محبوبه. و موتهخلاص من السجن و قدوم على المحبوب. فما حالمن ليس له إلا محبوب واحد، و قد طال إليهشوقه، و تمادى عنه حبسه، فخلى من السجن، ومكن من المحبوب، و روّح بالأمن أبدالآباد
فأحد أسباب ضعف حب الله في القلوب قوّة حبالدنيا، و منه حب الأهل، و المال، و الولد،و الأقارب، و العقار، و الدواب، والبساتين، و المنتزهات، حتى أن المتفرحبطيب أصوات الطيور و روح نسيم الأسحارملتفت إلى نعيم الدنيا، و متعرض لنقصان حبالله تعالى بسببه. فبقدر ما أنس بالدنيافينقص أنه باللّه، و لا يؤتى أحد من الدنياشيئا إلا و ينقص بقدره من الآخرةبالضرورة، كما أنه لا يقرب الإنسان منالمشرق إلا و يبعد بالضرورة من المغرببقدره، و لا يطيب قلب امرأته إلا و يضيق بهقلب ضرتها. فالدنيا و الآخرة ضرتان، و هماكالمشرق و المغرب، و قد انكشف ذلك لذويالقلوب انكشافا
[1] حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخلالجنة: تقدم