و قد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم[1]«إن الله عز و جل بحكمته و جلاله جعل الروحو الفرح في الرضا و اليقين و جعل الغم والحزن في الشك و السخط»
بيان حقيقة الرضا و تصوره فيما يخالفالهوى
اعلم أن من قال ليس فيما يخالف الهوى وأنواع البلاء إلا الصبر، فأما الرضا فلايتصور فإنما أنى من ناحية إنكار المحبة.فأما إذا ثبت تصور الحب لله تعالى، واستغراق الهم به، فلا يخفى أن الحب يورثالرضا بأفعال الحبيب، و يكون ذلك من وجهين.
أحدهما: أن يبطل الإحسان بالألم حتى يجرىعليه المؤلم و لا يحس، و تصيبه جراحة و لايدرك ألمها. و مثاله الرجل المحارب، فإنهفي حال غضبه، أو في حال خوفه، قد تصيبهجراحة و هو لا يحس بها، حتى إذا رأى الدماستدل به على الجراحة. بل الذي يغدو في شغلقريب قد تصيبه شوكة في قدمه و لا يحس بألمذلك لشغل قلبه. بل الذي يحجم أو يحلق رأسهبحديدة كالة يتألم به، فإن كان مشغولالقلب بمهم من مهماته فرغ المزين و الحجامو هو لا يشعر به. و كل ذلك لأن القلب إذا صارمستغرقا بأمر من الأمور، مستوفى به، لميدرك ما عداه. فكذلك العاشق المستغرق الهمبمشاهدة معشوقة أو بحبه، قد يصيبه ما كانيتألم به، أو يغتم له لو لا عشقه، ثم لايدرك غمه و ألمه لفرط استيلاء الحب علىقلبه.
هذا إذا أصابه من غير حبيبه، فكيف إذاأصابه من حبيبه و شغل القلب بالحب و العشقمن أعظم الشواغل. و إذا تصور هذا في ألميسير بسبب حب خفيف، تصور في الألم العظيمبالحب العظيم. فإن الحب أيضا يتصور تضاعفهفي القوة كما يتصور تضاعف الألم. و كمايقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسةالبصر، فكذا يقوى حب الصور الجميلةالباطنة المدركة بنور البصيرة. و جمالحضرة الربوبية و جلالها لا يقاس به جمال ولا جلال فمن ينكشف له شيء منه فقد يبهرهبحيث يدهش و يغشى عليه، فلا يحس بما يجرىعليه. فقد روي أن
[1] حديث ان الله بحكمته و جلاله جعل الروحو الفرح في الرضا- الحديث: الطبراني منحديث ابن مسعود إلا انه قال بقسطه و قدتقدم