فقد عرفت بما ذكرناه معنى المحبة و معنىالعشق، فإنه المحبة المفرطة القوية. ومعنى لذة المعرفة، و معنى الرؤية، و معنىلذة الرؤية، و معنى كونها ألذ من سائراللذات عند ذوي العقول و الكمال و إن لمتكن كذلك عند ذوي النقصان، كما لم تكنالرئاسة ألذ من المطعومات عند الصبيان فإنقلت: فهذه الرؤية محلها القلب أو العين فيالآخرة
فاعلم أن الناس قد اختلفوا في ذلك. و أربابالبصائر لا يلتفتون إلى هذا الخلاف و لاينظرون فيه، بل العاقل يأكل البقل و لايسأل عن المبقلة، و من يشتهي رؤية معشوقهيشغله عشقه عن أن يلتفت إلى أن رؤيته تخلقفي عينه أو في جبهته، بل يقصد الرؤية ولذتها سواء كان ذلك بالعين أو غيرها، فإنالعين محل و ظرف لا نظر إليه و لا حكم له. والحق فيه أن القدرة الأزلية واسعة، فلايجوز أن نحكم عليها بالقصور عن أحدالأمرين، هذا في حكم الجواز. فأما الواقعفي الآخرة من الجائزين فلا يدرك إلابالسمع، و الحق ما ظهر لأهل السنة والجماعة من شواهد الشرع أن ذلك يخلق فيالعين[1] ليكون لفظ الرؤية و النظر و سائرالألفاظ الواردة في الشرع مجرى على ظاهرهإذ لا يجوز إزالة الظواهر إلا لضرورة والله تعالى أعلم
بيان (الأسباب المقوية لحب الله تعالى)
اعلم أن أسعد الخلق حالا في الآخرة أقواهمحبا للَّه تعالى، فإن الآخرة معناهاالقدوم على الله تعالى و درك سعادة لقائه،و ما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبهبعد طول شوقه و تمكن من دوام مشاهدته أبدالآباد من غير منغص و مكدّر، و من غير رقيبو مزاحم و من غير خوف انقطاع إلا أن هذاالنعيم على قدر قوة الحب. فكلما ازدادتالمحبة ازدادت اللذة. و إنما يكتسب العبدحب الله تعالى في الدنيا و أصل الحب لاينفك عنه مؤمن، لأنه لا ينفك عن أصلالمعرفة. و أما قوّة الحب و استيلاؤه حتىينتهى إلى الاستهتار الذي يسمى عشقا، فذلكينفك عنه الأكثرون.
و إنما يحصل ذلك بسببين
[1] حديث رؤية الله في الآخرة حقيقة: متفقعليه من حديث أبي هريرة ان الناس قالوا يارسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هلتضارون في رؤية القمر ليلة البدر- الحديث: