و هكذا ينبغي أن يكون كل ذي بصيرة. و لذلكقال سفيان رحمه الله: لا أعتد بما ظهر منعملي. و قال عبد العزيز بن أبي رواد: جاورتهذا البيت ستين سنة، و حججت ستين حجة، فمادخلت في شيء من أعمال الله تعالى إلا وحاسبت نفسي، فوجدت نصيب الشيطان أو في مننصيب الله ليته لا لي و لا علي. و مع هذا فلاينبغي أن يترك العمل عند خوف الآفة والرياء، فإن ذلك منتهى بغية الشيطان منه،إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص. و مهما تركالعمل فقد ضيع العمل و الإخلاص جميعا. و قدحكي أن بعض الفقراء كان يخدم أبا سعيدالخراز و يخف في أعماله، فتكلم أبو سعيد فيالإخلاص يوما يريد إخلاص الحركات، فأخذالفقير يتفقد قلبه عند كل حركة و يطالبهبالإخلاص. فتعذر عليه قضاء الحوائج، واستضر الشيخ بذلك، فسأله عن أمره، فأخبرهبمطالبته نفسه بحقيقة الإخلاص، و أنه يعجزعنها في أكثر أعماله فيتركها. فقال أبوسعيد: لا تفعل، إذ الإخلاص لا يقطعالمعاملة، فواظب على العمل، و اجتهد فيتحصيل الإخلاص، فما قلت لك اترك العمل، وإنما قلت لك أخلص العمل. و قد قال الفضيل:ترك العمل بسبب الخلق رياء، و فعله لأجلالخلق شرك
الباب الثالث في الصدق و فضيلته وحقيقته
فضيلة الصدق
قال الله تعالى (رِجالٌ صَدَقُوا ماعاهَدُوا الله عَلَيْهِ) و قال النبي صلّىالله عليه وسلّم[1] «إن الصدق يهدى إلىالبر و البر يهدى إلى الجنة و إن الرجلليصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إن الكذبيهدى إلى الفجور و الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا» ويكفي في فضيلة الصدق أن الصديق مشتق منه، والله تعالى وصف الأنبياء في معرض
[1] الباب الثالث في الصدق حديث ان الصدقيهدى إلى البر- الحديث: متفق عليه من حديثابن مسعود و قد تقدم