فليت كان جهل الآدمي كجهل الفراش، فإنهاباغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت فيالحال، و الآدمي يبقى في النار أبداالآباد أو مدة مديدة. و لذلك كان ينادىرسول الله صلّى الله عليه وسلّم و يقول[1]«إنى ممسك بحجزكم عن النار و أنتمتتهافتون فيها تهافت الفراش» فهذه لمعةعجيبة من عجائب صنع الله تعالى في أصغرالحيوانات، و فيها من العجائب ما لو اجتمعالأولون و الآخرون على الإحاطة بكنههعجزوا عن حقيقته، و لم يطلعوا على أمورجلية من ظاهر صورته. فأما خفايا معانى ذلكفلا يطلع عليها إلا الله تعالى
[عجائب قدرة الله في النحل]
ثم في كل حيوان و نبات أعجوبة و أعاجيبتخصه لا يشاركه فيها غيره. فانظر إلى النحلو عجائبها، و كيف أوحى الله تعالى إليهاحتى اتخذت من الجبال بيوتا و من الشجر ومما يعرشون و كيف استخرج من لعابها الشمع والعسل، و جعل أحدهما ضياء، و جعل الآخرشفاء. ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولهاالأزهار و الأنوار، و احترازها عنالنجاسات و الأقذار، و طاعتها لواحد منجملتها هو أكبرها شخصا، و هو أميرها، ثم ماسخر الله تعالى له أميرها من العدل والإنصاف بينها، حتى أنه ليقتل على بابالمنفذ كل ما وقع منها على نجاسة لقضيتمنها عجبا آخر العجب إن كنت يصيرا في نفسك،و فارغا من هم بطنك و فرجك، و شهوات نفسك فيمعاداة أقرانك و موالاة إخوانك. ثم دع عنكجميع ذلك، و انظر إلى بنائها بيوتها منالشمع، و اختيارها من جملة الأشكال الشكلالمسدس فلا تبنى بيتا مستديرا، و لامربعا، و لا مخمسا، بل مسلسا، لخاصية فيالشكل المسدس يقصر فهم المهندسين عندركها، و هو أن أوسع الأشكال و أحواهاالمستديرة و ما يقرب منها، فإن المربعيخرج منه زوايا ضائعة، و شكل النحل مستديرمستطيل، فترك المربع حتى لا تضيع الزوايافتبقى فارغة، ثم لو بناها مستديرة لبقيتخارج البيوت فرج ضائعة، فإن الأشكالالمستديرة إذا جمعت لم تجتمع متراصة، و لاشكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب فيالاحتواء من المستدير. ثم تتراص الجملةمنه بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلاالمسدس
[1] حديث انى ممسك بحجزكم عن النار و أنتمتهافتون فيها تهافت الفراش: متفق عليه منحديث أبي هريرة مثلى و مثل أمتي كمثل رجلاستوقد نارا فجعلت الدواب و الفراش يقعنفأنا آخذ بحجزكم و أنتم تقتحمون فيه لفظمسلّم و اقتصر البخاري على أوله و لمسلم منحديث جابر و أنا آخذ بحجزكم و أنتم تفلتونمن يدي