السبب السادس: أن يستشعر العبد في نفسهمبادى البطر و الطغيان بطول مدة الصحة
فيترك التداوي خوفا من أن يعاجله زوالالمرض فتعاوده الغفلة، و البطر، و الطغيانأو طول الأمل، و التسويف في تدارك الفائت وتأخير الخيرات، فإن الصحة عبارة عن قوةالصفات و بها ينبعث الهوى، و تتحركالشهوات، و تدعو إلى المعاصي. و أقلها أنتدعو إلى التنعم في المباحات، و هو تضييعللأوقات، و إهمال للربح العظيم في مخالفةالنفس و ملازمة الطاعات و إذا أراد اللهبعبد خيرا لم يخله عن التنبه بالأمراض والمصائب. و لذلك قيل، لا يخلو المؤمن منعلة، أو قلة، أو زلة. و قد روي أن اللهتعالى يقول. الفقر سجنى، و المرض قيدي أحبسبه من أحب من خلقي. فإذا كان في المرض حبسعن الطغيان و ركوب المعاصي فأي خير يزيدعليه! و لم ينبغ أن يشتغل بعلاجه من يخافذلك على نفسه. فالعافية في ترك المعاصي.فقد قال بعض العارفين لإنسان. كيف كنتبعدي قال في عافية. قال إن كنت لم تعص اللهعز و جل فأنت في عافية. و إن كنت قد عصيتهفأي داء أدوأ من المعصية! ما عوفى من عصىالله. و قال علي كرم الله وجهه، لما رأىزينة النبط بالعراق في يوم عيد. ما هذاالذي أظهروه قالوا يا أمير المؤمنين هذايوم عيد لهم. فقال كل يوم لا يعصى الله عز وجل فيه فهو لنا عيد. و قال تعالى (من بَعْدِما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) قيل العوافي(إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُاسْتَغْنى) و كذلك إذا استغنى بالعافية وقال بعضهم إنما قال فرعون (أَنَارَبُّكُمُ الْأَعْلى) لطول العافية،لأنه لبث أربعمائة سنة لم يصدع له رأس، ولم يحمّ له جسم، و لم يضرب عليه عرق، فادعىالربوبية، لعنه الله.
و لو أخذته الشقيقة يوما لشغلته عن الفضولفضلا عن دعوى الربوبية و قال صلّى اللهعليه وسلّم[1] «أكثروا من ذكر هاذماللّذّات» و قيل. الحمى رائد الموت، فهومذكر له، و دافع للتسويف. و قال تعالى (أَوَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فيكُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَ لا هُمْيَذَّكَّرُونَ) قيل يفتنون بأمراضيختبرون بها و يقال. إن العبد إذا مرضمرضتين ثم لم يتب قال له ملك الموت. ياغافل، جاءك منى
[1] حديث أكثروا ذكر هاذم اللذات: الترمذي وقال حسن غريب و النسائي و ابن ماجه من حديثأبي هريرة و قد تقدم