فهذا طريق تكثير النيات، و قس به سائرالطاعات و المباحات، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة، و إنما تحضر في قلبالعبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير، وتشمره له، و تفكره فيه، فبهذا تزكواالأعمال، و تتضاعف الحسنات
القسم الثالث: المباحات
و ما من شيء من المباحات إلا و يحتمل نيةأو نيات يصير بها من محاسن القربات، و ينالبها معالى الدرجات، فما أعظم خسران منيغفل عنها، و يتعاطاها تعاطى البهائمالمهملة عن سهو و غفلة. و لا ينبغي أنيستحقر العبد شيئا من الخطرات، و الخطوات،و اللحظات، فكل ذلك يسئل عنه يوم القيامةأنه لم فعله و ما الذي قصد به
هذا في مباح محض لا يشوبه كراهة. و لذلكقال صلّى الله عليه وسلّم[1] «حلالها حسابو حرامها عقاب» و في حديث[2] معاذ بن جبل،أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إنالعبد ليسأل يوم القيامة عن كل شيء حتىعن كحل عينيه و عن فتات الطينة بإصبعيه وعن لمسه ثوب أخيه» و في خبر آخر «من تطيبلله تعالى جاء يوم القيامة و ريحه أطيب منالمسك و من تطيب لغير الله تعالى جاء يومالقيامة و ريحه أنتن من الجيفة» فاستعمالالطيب مباح، و لكن لا بد فيه من نية فإنقلت: فما الذي يمكن أن ينوي بالطيب و هو حظمن حظوظ النفس، و كيف يتطيب لله فاعلم أنمن يتطيب مثلا يوم الجمعة، و في سائرالأوقات، يتصور أن يقصد التنعم بلذاتالدنيا، أو يقصد به إظهار التفاخر بكثرةالمال ليحسده الأقران، أو يقصد به رياءالخلق ليقوم له الجاه في قلوبهم و يذكربطيب الرائحة، أو ليتودد به إلى قلوبالنساء الأجنبيات إذا كان مستحلا للنظرإليهن، و لأمور أخر لا تحصى. و كل هذا يجعلالتطيب معصية، فبذلك يكون أنتن من الجيفةفي القيامة، إلا القصد الأول و هو التلذذ والتنعم، فإن ذلك ليس بمعصية، إلا أنه يسئلعنه. و من نوقش الحساب عذب، و من أتى شيئامن مباح الدنيا لم يعذب عليه في الآخرة، ولكن ينقص من نعيم الآخرة له بقدره، و ناهيكخسرانا بأن يستعجل ما يفنى، و يخسر زيادةنعيم لا يفنى
[1] حديث حلالها حساب و حرامها عذاب: تقدم
[2] حديث معاذ ان العبد ليسأل يوم القيامةعن كل شيء حتى عن كحل عينيه و عن فاتالطين بإصبعيه و عن لمسه ثوب أخيه: لم أجدله اسنادا