إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 57
نمايش فراداده

فسبحان من احتجب عن بصائر العميان غيرةعلى جماله و جلاله أن يطلع عليه إلا منسبقت له منه الحسني، الذين هم عن نارالحجاب مبعدون، و ترك الخاسرين في ظلماتالعمى يتيهون و في مسارح المحسوسات وشهوات البهائم يترددون، يعلمون ظاهرا منالحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون،الحمد للَّه بل أكثرهم لا يعلمون فالحببهذا السبب أقوى من الحب بالإحسان، لأنالإحسان يزيد و ينقص. و لذلك أوحى اللهتعالى إلى داود عليه السلام. إن أودّالأودّاء إليّ من عبدني بغير نوال، لكنليعطى الربوبية حقها. و في الزبور: من أظلمممن عبدني لجنة أو نار، لو لم أخلق جنة و لانارا ألم أكن أهلا أن أطاع! و مر عيسى عليهالسلام على طائفة من العبّاد قد نحلوافقالوا نخاف النار و نرجوا الجنة، فقاللهم. مخلوقا خفتم و مخلوقا رجوتم. و مرّبقوم آخرين كذلك فقالوا نعبده حبًّا له وتعظيما لجلاله، فقال. أنتم أولياء اللهحقا، معكم أمرت أن أقيم.

و قال أبو حازم. إنى لأستحى أن أعبد للثوابو العقاب، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لميعمل، و كالأجير السوء إن لم يعط لم يعمل. وفي الخبر[1] «لا يكوننّ أحدكم كالأجيرالسوء إن لم يعط أجرا لم يعمل و لا كالعبدالسّوء إن لم يخف لم يعمل»

و أما السبب الخامس للحب فهو المناسبة والمشاكلة

لأن شبه الشي‏ء منجذب إليه، و الشكل إلىالشكل أميل. و لذلك ترى الصبي يألف الصبي،و الكبير يألف الكبير، و يألف الطير نوعه،و ينفر من غير نوعه. و أنس العالم بالعالمأكثر منه بالمحترف، و أنس النجار بالنجارأكثر من أنسه بالفلاح، و هذا أمر تشهد بهالتجربة، و تشهد له الأخبار و الآثار، كمااستقصيناه في باب الأخوة في الله من كتابآداب الصحبة فليطلب منه و إذا كانتالمناسبة سبب المحبة فالمناسبة قد تكون فيمعنى ظاهر، كمناسبة الصبي الصبي في معنىالصبا و قد يكون خفيا حتى لا يطلع عليه،كما ترى من الاتحاد الذي يتفق بين شخصين منغير ملاحظة جمال، أو طمع في مال أو غيره،كما أشار إليه النبي صلّى الله عليه وسلّمإذ قال «الأرواح جنود مجنّدة فما تعارفمنها ائتلف و ما تناكر منها اختلف»فالتعارف هو التناسب، و التناكر هوالتباين.

[1] حديث لا يكونن أحدكم كالأجير السوء انلم يعط أجرا لم يعمل: لم أجد له أصلا