التي هي شاهدة على الله إنما يدركهاالإنسان في الصبا عند فقد العقل، ثم تبدوفيه غريزة العقل قليلا قليلا و هو مستغرقالهم بشهواته، و قد أنس بمدركاته ومحسوساته و ألفها، فسقط وقعها عن قلبهبطول الأنس. و لذلك إذا رأى على سبيلالفجأة حيوانا غريبا أو نباتا غريبا أوفعلا من أفعال الله تعالى خارقا للعادةعجيبا، انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقالسبحان الله و هو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه، و سائر الحيوانات المألوفة، وكلها شواهد قاطعة لا يحس بشهادتها لطولالأنس بها. و لو فرض أكمه بلغ عاقلا، ثمانقشعت غشاوة عينه فامتد بصره إلى السماء،و الأرض، و الأشجار، و النبات، و الحيوان،دفعة واحدة على سبيل الفجأة، لخيف علىعقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة هذهالعجائب لخالقها فهذا و أمثاله من الأسبابمع الانهماك في الشهوات هو الذي سد علىالخلق سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة، والسباحة في بحارها الواسعة، فالناس فيطلبهم معرفة الله كالمدهوش الذي يضرب بهالمثل إذا كان راكبا لحماره و هو يطلبحماره، و الجليات إذا صارت مطلوبة صارتمعتاصة، فهذا سر هذا الأمر فليحقق، و لذلكقيل
اعلم أن من أنكر حقيقة المحبة للَّه تعالىفلا بد و أن ينكر حقيقة الشوق، إذ لا يتصورالشوق إلا إلى محبوب. و نحن نثبت وجودالشوق إلى الله تعالى، و كون العارف مضطراإليه بطريق الاعتبار و النظر بأنوارالبصائر، و بطريق الأخبار و الآثار أماالاعتبار فيكفي في إثباته ما سبق في إثباتالحب، فكل محبوب يشتاق إليه في غيبته لامحالة، فأما الحاصل الحاضر فلا يشتاقإليه. فإن الشوق طلب و تشوف إلى أمر والموجود لا يطلب. و لكن بيانه أن الشوق لايتصور إلا إلى شيء أدرك من وجه و لم يدركمن وجه. فأما ما لا يدرك أصلا فلا يشتاقإليه، فإن من لم ير شخصا و لم يسمع وصفه لايتصور أن يشتاق إليه. و ما أدرك بكماله لايشتاق إليه. و كمال الإدراك بالرؤية،