إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد، و ذلكلمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة فيالظلام و النور هذا مع أن النور أظهرالمحسوسات، إذ به تدرك سائر المحسوسات فماهو ظاهر في نفسه و هو يظهر لغيره، انظر كيفتصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريانضده. فاللّه تعالى هو أظهر الأمور، و بهظهرت الأشياء كلها، و لو كان له عدم أوغيبة أو تغير لانهدمت السموات و الأرض، وبطل الملك و الملكوت، و لأدرك بذلكالتفرقة بين الحالتين. و لو كان بعضالأشياء موجودا به و بعضها موجودا بغيرهلأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد،و وجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه،فلا جرم أورثت شدة الظهور خفاء فهذا هوالسبب في قصور الأفهام و أما من قويتبصيرته، و لم تضعف منته، فإنه في حالاعتدال أمره لا يرى إلا الله تعالى و لايعرف غيره، يعلم أنه ليس في الوجود إلاالله، و أفعاله أثر من آثار قدرته، فهيتابعة له، فلا وجود لها بالحقيقة دونه، وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجودالأفعال كلها. و من هذه حاله فلا ينظر فيشيء من الأفعال إلا و يرى فيه الفاعل، ويذهل عن الفعل من حيث إنه سماء، و أرض، وحيوان، و شجر بل ينظر فيه من حيث إنه صنعالواحد الحق، فلا يكون نظره مجاوزا له إلىغيره، كمن نظر في شعر إنسان، أو خطه أوتصنيفه، و رأى فيها الشاعر و المصنف، و رأىآثاره من حيث أثره لا من حيث إنه حبر، وعفص، و زاج مرقوم على بياض، فلا يكون قدنظر إلى غير المصنف و كل العالم تصنيف اللهتعالى، فمن نظر إليه من حيث إنه فعل الله وعرفه من حيث إنه فعل الله، و أحبه من حيثإنه فعل الله، لم يكن ناظرا إلا في الله، ولا عارفا إلا باللَّه، و لا محبا إلا له وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله،بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه، بل من حيثإنه عبد الله. فهذا الذي يقال فيه إنه فنىفي التوحيد و إنه في عن نفسه و إليهالإشارة بقول من قال كنّا بنا، ففنيناعنا، فبقينا بل نحن فهذه أمور معلومة عندذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها،و قصور قدرة العلماء بها عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلىالأفهام، أو باشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لايعنيهم فهذا هو السبب في قصور الأفهام عنمعرفة الله تعالى، و انضم إليه أنالمدركات كلها