تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 1 -صفحه : 839/ 127
نمايش فراداده

ناقصا كما قالوه. ثمّ إنّ هؤلاء الكهّانإذا عاصروا زمن النّبوة فإنّهم عارفونبصدق النّبيّ و دلالة معجزته لأنّ لهم بعضالوجدان من أمر النّبوة كما لكلّ إنسان منأمر اليوم و معقوبيّة تلك النّسبة موجودةللكاهن بأشدّ ممّا للنّائم و لا يصدّهم عنذلك و يوقعهم في التّكذيب إلّا قوّةالمطامع في أنّها نبوة لهم فيقعون فيالعناد كما وقع لأميّة بن أبي الصلت فإنّهكان يطمع أن يتنبّأ و كذا وقع لابن صيّاد ولمسيلمة و غيرهم فإذا غلب الإيمان وانقطعت تلك الأمانيّ آمنوا أحسن إيمان كماوقع لطليحة الأسديّ و سواد بن قارب و كانلهما في الفتوحات الإسلاميّة من الآثارالشّاهدة بحسن الإيمان.

الرؤيا

و أمّا الرّؤيا فحقيقتها مطالعة النّفسالنّاطقة في ذاتها الرّوحانيّة لمحة منصور الواقعات فإنّها عند ما تكون روحانيّةتكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل كماهو شأن الذّوات الرّوحانيّة كلّها و تصيرروحانيّة بأن تتجرّد عن الموادّالجسمانيّة و المدارك البدنيّة و قد يقعلها ذلك لمحة بسبب النّوم كما نذكر فتقتبسبها علم ما تتشوّف إليه من الأمورالمستقبلة و تعود به إلى مداركها فإن كانذلك الاقتباس ضعيفا و غير جليّ بالمحاكاةو المثال في الخيال لتخلّصه فيحتاج من أجلهذه المحاكاة إلى التّعبير و قد يكونالاقتباس قويّا يستغنى فيه عن المحاكاةفلا يحتاج إلى تعبير لخلوصه من المثال والخيال و السّبب في وقوع هذه اللّمحةللنّفس أنّها ذات روحانيّة بالقوّةمستكملة بالبدن و مداركه (1) حتّى تصيرذاتها تعقّلا محضا و يكمل وجودها بالفعلفتكون حينئذ ذاتا روحانيّة مدركة بغيرشي‏ء من الآلات البدنيّة إلّا أنّ نوعهافي الرّوحانيّات دون نوع‏

(1) في نسخة لجنة البيان العربيّ عبارة بينقوسين و هي (و لا بد من تخلصها من البدن ومداركه) و هذه الجملة غير واردة في جميعالنسخ الأخرى و هي متممة لمعنى الجملةالتي قبلها، و لا يستقيم المعنى بدونها.