تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
الملائكة أهل الأفق الأعلى على الّذين لميستكملوا ذواتهم بشيء من مدارك البدن ولا غيره فهذا الاستعداد حاصل لها ما دامتفي البدن و منه خاصّ كالّذي للأولياء و منهعامّ للبشر على العموم و هو أمر الرّؤيا. وأمّا الّذي للأنبياء فهو استعدادبالانسلاخ من البشريّة إلى الملكيّةالمحضة الّتي هي أعلى الرّوحانيّات و يخرجهذا الاستعداد فيهم متكرّرا في حالاتالوحي و هو عند ما يعرّج على المداركالبدنيّة و يقع فيها ما يقع من الإدراكيكون (1) شبيها بحال النّوم شبها بيّنا و إنكان حال النّوم أدون منه بكثير فلأجل هذاالشّبه عبّر الشّارع عن الرّؤيا بأنّهاجزء من ستّة و أربعين جزأ من النّبوة و فيرواية ثلاثة و أربعين و في رواية سبعين وليس العدد في جميعها مقصودا بالذّات وإنّما المراد الكثرة في تفاوت هذه المراتببدليل ذكر السّبعين في بعض طرقه و هوللتّكثير عند العرب و ما ذهب إليه بعضهم فيرواية ستّة و أربعين من أنّ الوحي كان فيمبدئه بالرّؤيا ستّة أشهر و هي نصف سنة ومدّة النّبوة كلّها بمكّة و المدينة ثلاثو عشرون سنة فنصف السّنة منها جزء من ستّةو أربعين فكلام بعيد من التّحقيق لأنّهإنّما وقع ذلك للنّبيّ صلّى الله عليهوسلّم و من أين لنا أنّ هذه المدّة وقعتلغيره من الأنبياء مع أنّ ذلك إنّما يعطينسبة زمن الرّؤيا من زمن النّبوة و لا يعطىحقيقتها من حقيقة النّبوة و إذا تبيّن لكهذا ممّا ذكرناه أوّلا علمت أنّ معنى هذاالجزء نسبة الاستعداد الأوّل الشّاملللبشر إلى الاستعداد القريب الخاصّ بصنفالأنبياء الفطريّ لهم صلوات الله عليهم إذهو الاستعداد البعيد و إن كان عاما فيالبشر و معه عوائق و موانع كثيرة من حصولهبالفعل و من أعظم تلك الموانع الحواسّالظّاهرة ففطر الله البشر على ارتفاع حجابالحواسّ بالنّوم الّذي هو جبليّ لهمفتتعرّض النّفس عند ارتفاعه إلى معرفة ماتتشوّف إليه في عالم الحقّ فتدرك في بعضالأحيان منه لمحة يكون فيها الظّفر