الفصل الثاني و الثلاثون في إبطال صناعةالنجوم و ضعف مداركها و فساد غايتها
هذه الصّناعة يزعم أصحابها أنّهم يعرفونبها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثهامن قبل معرفة قوى الكواكب و تأثيرها فيالمولّدات العنصرية مفردة و مجتمعة فتكونلذلك أوضاع الأفلاك و الكواكب دالّة علىما سيحدث من نوع من أنواع الكائناتالكلّيّة و الشّخصيّة. فالمتقدّمون منهميرون أنّ معرفة قوى الكواكب و تأثيراتهابالتّجربة و هو أمر تقصّر الأعمار كلّهالو اجتمعت عن تحصيله إذ التّجربة إنّماتحصل في المرّات المتعدّدة بالتّكرارليحصل عنها العلم أو الظّنّ.و أدوار الكواكب منها ما هو طويل الزّمنفيحتاج تكرّره إلى آماد و أحقاب متطاولةيتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم. وربّما ذهب ضعفاء منهم إلى أنّ معرفة قوىالكواكب و تأثيراتها كانت بالوحي و هو رأيفائل و قد كفونا مؤنة إبطاله. و من أوضحالأدلّة فيه أن تعلم أنّ الأنبياء عليهمالصّلاة و السّلام أبعد النّاس عنالصّنائع و أنّهم لا يتعرّضون للإخبار عنالغيب إلّا أن يكون عن الله فكيف يدّعوناستنباطه بالصّناعة و يشيرون بذلكلتابعيهم من الخلق. و أمّا بطليمس و منتبعه من المتأخّرين فيرون أنّ دلالةالكواكب على ذلك دلالة طبيعيّة من قبلمزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصريّةقال لأنّ فعل النّيّرين و أثرهما فيالعنصريّات ظاهر لا يسع أحدا حجده مثل فعلالشّمس في تبدّل الفصول و أمزجتها و نضجالثّمار و الزّرع و غير ذلك و فعل القمر فيالرّطوبات و الماء و إنضاج الموادّالمتعفّنة و فواكه القناء (1) و سائرأفعاله. ثمّ قال: و لنا فيما بعدها منالكواكب طريقان الأولى التّقليد لمن نقلذلك عنه من أئمّة الصّناعة إلّا أنّه غيرمقنع للنّفس و الثّانية الحدس و التّجربةبقياس كلّ واحد منها إلى النّيّر(1) فواكه القناء: فواكه الأشجار المغروسةفي الحفر.