الفصل التاسع و العشرون في أن البوادي منالقبائل و العصائب مغلوبون لأهل الأمصار
قد تقدّم لنا أنّ عمران البادية ناقص عنعمران الحواضر و الأمصار لأنّ الأمورالضروريّة في العمران ليس كلّها موجودةلأهل البدو. و إنّما توجد لديهم في مواطنهمأمور الفلح و موادّها معدومة و معظمهاالصّنائع فلا توجد لديهم في الكلّيّة مننجّار و خيّاط و حدّاد و أمثال ذلك ممّايقيم لهم ضروريّات معاشهم في الفلح و غيرهو كذا الدّنانير و الدّراهم مفقودة لديهمو إنّما بأيديهم أعواضها من مغلّ الزّراعةو أعيان الحيوان أو فضلاته ألبانا وأوبارا و أشعارا و إهابا ممّا يحتاج إليهأهل الأمصار فيعوّضونهم عنه بالدّنانير والدّراهم إلّا أنّ حاجتهم إلى الأمصار فيالضّروريّ و حاجة أهل الأمصار إليهم فيالحاجيّ (1) و الكماليّ فهم محتاجون إلىالأمصار بطبيعة وجودهم فما داموا فيالبادية و لم يحصل لهم ملك و لا استيلاءعلى الأمصار فهم محتاجون إلى أهلها ويتصرّفون في مصالحهم و طاعتهم متى دعوهمإلى ذلك و طالبوهم به و إن كان في المصر ملككان خضوعهم و طاعتهم لغلب الملك(1) بمعنى الضروريّ.