قد رأينا من خلق السّودان على العمومالخفّة و الطّيش و كثرة الطّرب فتجدهممولعين بالرّقص على كلّ توقيع موصوفينبالحمق في كلّ قطر و السّبب الصّحيح في ذلكأنّه تقرّر في موضعه من الحكمة أنّ طبيعةالفرح و السّرور هي انتشار الرّوحالحيوانيّ و تفشّيه و طبيعة الحزن بالعكسو هو انقباضه و تكاثفه. و تقرّر أنّالحرارة مفشية للهواء و البخار مخلخلة لهزائدة في كميّته و لهذا يجد المنتشي منالفرح و السّرور ما لا يعبّر عنه و ذلك بمايداخل بخار الرّوح في القلب من الحرارةالعزيزيّة الّتي تبعثها سورة الخمر فيالرّوح من مزاجه فيتفشّى الرّوح و تجيءطبيعة الفرح و كذلك نجد المتنعّمينبالحمّامات إذا تنفّسوا في هوائها واتّصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخّنتلذلك حدث لهم فرح و ربّما انبعث الكثيرمنهم بالغناء النّاشئ عن السّرور. و لمّاكان السّودان ساكنين في الإقليم الحارّ واستولى الحرّ على أمزجتهم و في أصلتكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة علىنسبة أبدانهم و إقليمهم فتكون أرواحهمبالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرّابعأشدّ حرّا فتكون أكثر تفشّيا فتكون أسرعفرحا و سرورا و أكثر انبساطا و يجيءالطّيش على أثر هذه و كذلك يلحق بهم قليلاأهل البلاد البحريّة لمّا كان هواؤهامتضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواءبسيط البحر و أشعّته كانت حصّتهم من توابعالحرارة في الفرح و الخفّة موجودة أكثر منبلاد التّلول و الجبال الباردة و قد نجديسيرا من ذلك في أهل البلاد الجزيريّة منالإقليم الثّالث لتوفّر الحرارة فيها وفي