الفصل الثامن في أن الفلاحة من معاشالمتضعين و أهل العافية من البدو - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
و كانت الحاجة إليها أشدّ. و أهل هذهالصّنائع الدّينيّة لا تضطرّ إليهم عامّةالخلق و إنّما يحتاج إلى ما عندهم الخواصّممّن أقبل على دينه. و إن احتيج إلى الفتياو القضاء في الخصومات فليس على وجهالاضطرار و العموم فيقع الاستغناء عنهؤلاء في الأكثر. و إنّما يهتمّ بإقامةمراسمهم صاحب الدّولة بما ناله (1) منالنّظر في المصالح فيقسم لهم حظّا منالرّزق على نسبة الحاجة إليهم على النّحوالّذي قرّرناه. لا يساويهم بأهل الشّوكة ولا بأهل الصّنائع من حيث الدّين و المراسمالشّرعيّة لكنّه يقسم بحسب عموم الحاجة وضرورة أهل العمران فلا يصحّ في قسمهم (2)إلّا القليل. و هم أيضا لشرف بضائعهم أعزّةعلى الخلق و عند نفوسهم فلا يخضعون لأهلالجاه حتّى ينالوا منه حظّا يستدرّون بهالرّزق بل و لا تفرغ أوقاتهم لذلك لما همفيه من الشّغل بهذه البضائع (3) الشّريفةالمشتملة على إعمال الفكر و البدن (4). بل ولا يسعهم ابتذال أنفسهم لأهل الدّنيا لشرفبضائعهم فهم بمعزل عن ذلك، فلذلك لا تعظمثروتهم في الغالب. و لقد باحثت بعض الفضلاءفأنكر ذلك عليّ فوقع بيدي أوراق مخرّقة منحسابات (5) الدّواوين بدار المأمون تشتملعلى كثير من الدّخل و الخرج و كان فيماطالعت فيه أرزاق القضاة و الأئمّة والمؤذّنين فوقفته عليه و علم منه صحّة ماقلته و رجع إليه و قضينا العجب من أسرارالله في خلقه و حكمته في عوالمه و اللهالخالق القادر لا ربّ سواه.
الفصل الثامن في أن الفلاحة من معاشالمتضعين و أهل العافية من البدو
و ذلك لأنّه أصيل (6) في الطّبيعة و بسيط فيمنحاه و لذلك لا تجده ينتحله أحد