الفصل الخمسون في ان الدولة المستجدةإنما تستولي على الدولة المستقرةبالمطاولة لا بالمناجزة
قد ذكرنا أنّ الدّول الحادثة المتجدّدةنوعان نوع من ولاية الأطراف إذا تقلّص ظلّالدّولة عنهم و انحسر تيّارها و هؤلاء لايقع منهم مطالبة للدّولة في الأكثر كماقدّمناه لأنّ قصاراهم القنوع بما فيأيديهم و هو نهاية قوّتهم و النّوعالثّاني نوع الدّعاة و الخوارج علىالدّولة و هؤلاء لا بدّ لهم من المطالبةلأنّ قوّتهم وافية بها فإنّ ذلك إنّمايكون في نصاب يكون له من العصبيّة والاعتزاز ما هو كفاء (1) ذلك و واف به فيقعبينهم و بين الدّولة المستقرّة حروب سجالتتكوّر و تتّصل إلى أن يقع لهم الاستيلاء والظّفر بالمطلوب و لا يحصل لهم في الغالبظفر بالمناجزة و السّبب في ذلك أنّ الظّفرفي الحروب إنّما يقع كما قدّمناه بأمورنفسانيّة وهمية و إن كان العدد و السّلاح وصدق القتال كفيلا به لكنّه قاصر مع تلكالأمور الوهميّة كما مرّ و لذلك كانالخداع من أرفع ما يستعمل في الحرب و أكثرما يقع الظّفر به و في الحديث الحرب خدعة والدّولة المستقرّة قد صيّرت العوائدالمألوفة طاعتها ضروريّة واجبة كما تقدّمفي غير موضع فتكثر بذلك العوائق لصاحبالدّولة المستجدّة و يكثر من همم أتباعه وأهل شوكته و إن كان الأقربون(1) الأصح كفء أو كفيء أو كفؤ و قد ورد فيلسان العرب: «و تقول: الأكفاء له، بالكسر،و هو في الأصل مصدر، أي لا نظير له».