الباب الأوّل من الكتاب الأول في العمرانالبشري على الجملة و فيه مقدمات
الأولى في أنّ الاجتماع الإنسانيّضروريّ
و يعبّر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسانمدنيّ بالطّبع أي لا بدّ له من الاجتماعالّذي هو المدينة في اصطلاحهم و هو معنىالعمران و بيانه أنّ الله سبحانه خلقالإنسان و ركّبه على صورة لا يصحّ حياتها وبقاؤها إلّا بالغذاء و هداه إلى التماسهبفطرته و بما ركّب فيه من القدرة علىتحصيله إلّا أنّ قدرة الواحد من البشرقاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غيرموفية له بمادّة حياته منه و لو فرضنا منهأقلّ ما يمكن فرضه و هو قوت يوم من الحنطةمثلا فلا يحصل إلّا بعلاج كثير من الطّحن والعجن و الطّبخ و كلّ واحد من هذه الأعمالالثّلاثة يحتاج إلى مواعين و آلات لا تتمّإلّا بصناعات متعدّدة من حدّاد و نجّار وفاخوريّ وهب أنّه يأكله حبّا من غير علاجفهو أيضا يحتاج في تحصيله أيضا حبّا إلىأعمال أخرى أكثر من هذه من الزّراعة والحصاد و الدّراس الّذي يخرج الحبّ منغلاف السّنبل و يحتاج كلّ واحد من هذه منالزّراعة و الحصاد و الدّارس الّذي يخرجالحبّ من غلاف السّنبل و يحتاج كلّ واحد منهذه آلات متعدّدة و صنائع كثيرة أكثر منالأولى بكثير و يستحيل أن تفي بذلك كلّه أوببعضه قدرة الواحد فلا بدّ من اجتماعالقدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوتله و لهم فيحصل بالتّعاون قدر الكفاية منالحاجة لأكثر منهم بأضعاف و كذلك يحتاجكلّ واحد منهم أيضا في الدّفاع عن نفسه إلىالاستعانة بأبناء جنسه لأنّ الله سبحانهلمّا ركّب الطّباع في الحيوانات كلّها وقسم القدر بينها جعل