الفصل السابع عشر في أطوار الدولة واختلاف أحوالها و خلق أهلها باختلافالأطوار - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
في جوّ ذلك النّعيم و الرّفه فازدادوا بهعددا إلى عددهم و قوّة إلى قوّتهم بسببكثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد فإذا ذهبالجيل الأوّل و الثّاني و أخذت الدّولة فيالهرم لم تستقلّ أولئك الصّنائع و المواليبأنفسهم في تأسيس الدّولة و تمهيد ملكهالأنّهم ليس لهم من الأمر شيء إنّما كانواعيالا على أهلها و معونة لها فإذا ذهبالأصل لم يستقلّ الفرع بالرّسوخ فيذهب ويتلاشى و لا تبقى الدّولة على حالها منالقوّة. و اعتبر هذا بما وقع في الدّولةالعربيّة في الإسلام. كان عدد العرب كماقلنا لعهد النّبوة و الخلافة مائة و خمسينألفا و ما يقاربها من مضر و قحطان و لمّابلغ التّرف مبالغه في الدّولة و توفّرنموّهم بتوفّر النّعمة و استكثر الخلفاءمن الموالي و الصّنائع بلغ ذلك العدد إلىأضعافه يقال إنّ المعتصم نازل عمّوريّةلمّا افتتحها في تسعمائة ألف و لا يبعد مثلهذا العدد أن يكون صحيحا إذا اعتبرتحاميتهم في الثّغور الدّانية و القاصيةشرقا و غربا إلى الجند الحاملين سريرالملك و الموالي و المصطنعين و قالالمسعوديّ أحصى بنو العبّاس ابن عبدالمطّلب خاصّة أيّام المأمون للإنفاقعليهم فكانوا ثلاثين ألفا بين ذكران وإناث فانظر مبالغ هذا العدد لأقلّ منمائتي سنة و اعلم أنّ سببه الرّفه والنّعيم الّذي حصل للدّولة و ربي فيهأجيالهم و إلّا فعدد العرب لأوّل الفتح لميبلغ هذا و لا قريبا منه و الله الخلّاقالعليم.
الفصل السابع عشر في أطوار الدولة واختلاف أحوالها و خلق أهلها باختلافالأطوار
اعلم أنّ الدّولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجدّدة و يكتسب القائمون بها فيكلّ طور خلقا من أحوال ذلك الطّور لا يكونمثله في الطّور الآخر لأنّ الخلق تابعبالطّبع لمزاج الحال الّذي هو فيه و حالاتالدّولة و أطوارها لا تعدو في الغالب خمسةأطوار. الطّور الأوّل طور الظّفر بالبغيةو غلب المدافع و المانع