الفصل العاشر في علم الكلام
هو علم يتضمّن الحجاج عن العقائدالإيمانيّة بالأدلّة العقليّة و الرّدّعلى المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عنمذاهب السّلف و أهل السّنّة. و سرّ هذهالعقائد الإيمانيّة هو التّوحيد. فلنقدّمهنا لطيفة في برهان عقليّ يكشف لنا عنالتّوحيد على أقرب الطّرق و المآخذ ثمّنرجع إلى تحقيق علمه (1) و فيما ينظر و يشيرإلى حدوثه في الملّة و ما دعا إلى وضعهفنقول: اعلم أنّ الحوادث في عالم الكائناتسواء كانت من الذّوات أو من الأفعالالبشريّة أو الحيوانيّة فلا بدّ لها منأسباب متقدّمة عليها بها تقع في مستقرّالعادة و عنها يتمّ كونه. و كلّ واحد من هذهالأسباب حادث أيضا فلا بدّ له من أسبابأخرى و لا تزال تلك الأسباب مرتقية حتّىتنتهي إلى مسبّب الأسباب و موجدها وخالقها سبحانه لا إله إلّا هو. و تلكالأسباب في ارتقائها تتفسّح و تتضاعف (2)طولا و عرضا و يحار العقل في إدراكها وتعديدها. فإذا لا يحصرها إلّا العلمالمحيط سيّما الأفعال البشريّة والحيوانيّة فإنّ من جملة أسبابها فيالشّاهد القصود و الإرادات إذ لا يتمّ كونالفعل إلّا بإرادته و القصد إليه. و القصودو الإرادات أمور نفسانيّة ناشئة في الغالبعن تصوّرات سابقة يتلو بعضها بعضا. و تلكالتّصوّرات هي أسباب قصد الفعل و قد تكونأسباب تلك التّصوّرات تصوّرات أخرى و كلّما يقع في النّفس من التّصوّرات مجهولسببه، إذ لا يطّلع أحد على مبادئ الأمورالنّفسانيّة و لا على ترتيبها. إنّما هيأشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضهابعضا و الإنسان عاجز عن معرفة مبادئها وغاياتها. و إنّما يحيط علما في الغالببالأسباب الّتي هي طبيعة ظاهرة(1) أي علم الكلام.(2) و في نسخة أخرى: تتضاعف فتنفسخ.