الفصل الثامن عشر في علم تعبير الرؤيا
هذا العلم من العلوم الشّرعيّة و هو حادثفي الملّة عند ما صارت العلوم صنائع و كتبالنّاس فيها. و أمّا الرّؤيا و التّعبيرلها فقد كان موجودا في السّلف كما هو فيالخلف. و ربّما كان في الملوك (1) و الأمم منقبل إلّا أنّه لم يصل إلينا للاكتفاء فيهبكلام المعبّرين من أهل الإسلام. و إلّافالرّؤيا موجودة في صنف البشر على الإطلاقو لا بدّ من تعبيرها. فلقد كان يوسفالصّدّيق صلوات الله عليه يعبّر الرّؤياكما وقع في القرآن. و كذلك ثبت عن الصّحيحعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم و عن أبيبكر رضي الله عنه و الرؤيا مدرك من مداركالغيب. و قال صلّى الله عليه وسلّم:«الرّؤيا الصّالحة جزء من ستّة و أربعينجزءا من النّبوة». و قال: «لم يبق منالمبشّرات إلّا الرّؤيا الصّالحة يراهاالرّجل الصّالح أو ترى له». و أوّل ما بدأبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الوحيالرّؤيا فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثلفلق الصّبح.
و كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذاانفتل (2) من صلاة الغداة يقول لأصحابه: «هلرأى أحد منكم اللّيلة رؤيا؟ يسألهم عن ذلكليستبشر بما وقع من ذلك ممّا فيه ظهورالدّين و إعزازه. و أمّا السّبب في كونالرّؤيا مدركا للغيب فهو أنّ الرّوحالقلبيّ و هو البخار اللّطيف المنبعث منتجويف القلب اللّحميّ ينتشر فيالشّريانات و مع الدّم في سائر البدن و بهتكمل أفعال القوى الحيوانيّة و إحساسها.فإذا أدركه الملال بكثرة التّصرّف فيالإحساس بالحواسّ الخمس و تصريف القوىالظّاهرة و غشي سطح البدن ما يغشاه من برداللّيل انحبس الرّوح من سائر أقطار البدنإلى مركزه القلبيّ فيستجمّ بذلك لمعاودةفعله فتعطّلت الحواسّ الظّاهرة كلّها
(1) و في النسخة الباريسية: في الملل والأمم.
(2) و في نسخة أخرى: انتقل.