الفصل الثالث في أن البدو أقدم من الحضر وسابق عليه و ان البادية أصل العمران والأمصار مدد لها
قد ذكرنا أنّ البدو هم المقتصرون علىالضّروريّ في أحوالهم العاجزون عمّا فوقهو أنّ الحضر المعتنون بحاجات التّرف والكمال في أحوالهم و عوائدهم و لا شكّ أنّالضّروريّ أقدم من الحاجيّ و الكماليّ وسابق عليه و لأنّ الضّروريّ أصل والكماليّ فرع ناشئ عنه فالبدو أصل للمدن والحضر، و سابق عليهما لأنّ أوّل مطالبالإنسان الضّروريّ و لا ينتهي إلى الكمالو التّرف إلّا إذا كان الضّروريّ حاصلافخشونة البداوة قبل رقّة الحضارة و لهذانجد التّمدّن غاية للبدويّ يجري إليها وينتهي بسعيه إلى مقترحة منها و متى حصل علىالرّياش الّذي يحصل له به أحوال التّرف وعوائده عاج إلى الدّعة و أمكن نفسه إلىقياد المدينة و هكذا شأن القبائلالمتبدّية كلّهم و الحضريّ لا يتشوّف إلىأحوال البادية إلّا لضرورة تدعوه إليها أولتقصير عن أحوال أهل مدينته و ممّا يشهدلنا أنّ البدو أصل للحضر