فيحصل لهم بذلك دالّة عليه و اعتزازفينافرهم بسببها صاحب الدّولة و يعدل عنهمإلى استعمال سواهم و يكون عهد استخلاصهم واصطناعهم قريبا فلا يبلغون رتب المجد ويبقون على حالهم من الخارجيّة و هكذا شأنالدّول في أواخرها و أكثر ما يطلق اسمالصّنائع و الأولياء على الأوّلين و أمّاهؤلاء المحدثون فخدم و أعوان و الله وليّالمؤمنين و هو على كلّ شيء وكيل.
الفصل الحادي و العشرون فيما يعرض فيالدول من حجر السلطان و الاستبداد عليه
إذا استقرّ الملك في نصاب معيّن و منبتواحد من القبيل القائمين بالدّولة وانفردوا به و دفعوا سائر القبيل عنه وتداوله بنوهم واحدا بعد واحد بحسبالتّرشيح فربّما حدث التّغلّب على المنصبمن وزرائهم و حاشيتهم و سببه في الأكثرولاية صبيّ صغير أو مضعف من أهل المنبتيترشّح للولاية بعهد أبيه أو بترشيح ذويهو خوله و يؤنس منه العجز عن القيام بالملكفيقوم به كافله من وزراء أبيه و حاشيته ومواليه أو قبيله و يورّي بحفظ أمره عليهحتّى يؤنس منه الاستبداد و يجعل ذلك ذريعةللملك فيحجب الصّبيّ عن النّاس و يعوّدهإليها ترف أحواله و يسيمه في مراعيها متىأمكنه و ينسيه النّظر في الأمورالسّلطانيّة حتّى يستبدّ عليه و هو بماعوّده يعتقد أنّ حظّ السّلطان من الملكإنّما هو جلوس السّرير و إعطاء الصّفقة وخطاب التّهويل و القعود مع النّساء خلفالحجاب و أنّ الحلّ و الرّبط و الأمر والنّهي و مباشرة الأحوال الملوكيّة وتفقّدها من النّظر في الجيش و المال والثّغور إنّما هو للوزير و يسلّم له في ذلكإلى أن تستحكم له صبغة الرّئاسة والاستبداد و يتحوّل الملك إليه و يؤثر بهعشيرته و أبناءه من بعده كما وقع لبني بويهو التّرك و كافور الإخشيديّ و غيرهمبالمشرق و للمنصور بن أبي عامر بالأندلس.