الفصل السابع و العشرون في علم الإلهيات
و هو علم ينظر في الوجود المطلق فأوّلا فيالأمور العامّة للجسمانيّات والرّوحانيّات من الماهيّات و الوحدة والكثرة و الوجوب و الإمكان و غير ذلك ثمّينظر في مبادئ الموجودات و أنّهاروحانيّات ثمّ في كيفيّة صدور الموجوداتعنها و مراتبها (1) ثمّ في أحوال النّفس بعدمفارقة الأجسام و عودها إلى المبدإ. و هوعندهم علم شريف يزعمون أنّه يوقفهم علىمعرفة الوجود على ما هو عليه و أنّ ذلك عينالسّعادة في زعمهم. و سيأتي الرّدّ عليهمبعد. و هو تال للطّبيعيّات في ترتيبهم ولذلك يسمّونه علم ما وراء الطّبيعة. و كتبالمعلّم الأوّل فيه موجودة بين أيديالنّاس. و لخّصه (2) ابن سينا في كتابالشّفاء و النّجاة و كذلك لخّصه (3) ابن رشدمن حكماء الأندلس و لمّا وضع المتأخّرونفي علوم القوم و دوّنوا فيها و ردّ عليهمالغزاليّ ما ردّ منها ثمّ خلط المتأخّرونمن المتكلّمين مسائل علم الكلام بمسائلالفلسفة لاشتراكهما في المباحث، و تشابهموضوع علم الكلام بموضوع الإلهيّات ومسائله بمسائلها فصارت كأنّها فنّ واحدثمّ غيّروا ترتيب الحكماء في مسائلالطّبيعيّات و الإلهيّات و خلطوهما فنّاواحدا قدّموا الكلام في الأمور العامّةثمّ أتبعوه بالجسمانيّات و توابعها ثمّبالرّوحانيّات و توابعها إلى آخر العلمكما فعله الإمام ابن الخطيب في المباحثالمشرقيّة و جميع من بعده من علماء الكلام.و صار علم الكلام مختلطا بمسائل الحكمة وكتبه محشوّة بها كأنّ الغرض من موضوعهما ومسائلهما واحد. و التبس ذلك على النّاس وهو صواب لأنّ مسائل علم الكلام إنّما هيعقائد متلقّاة من الشّريعة كما نقلهاالسّلف من غير رجوع فيها إلى العقل و لا
(1) و في النسخة الباريسية: و ترتيبها.
(2) و في النسخة الباريسية: و لخصها (والضمير يعود إلى الكتب).
(3) الضمير يعود إلى كتب المعلم الأول.