الفصل الأول في أن الملك و الدولة العامةإنما يحصلان بالقبيل و العصبية
و ذلك أنّا قرّرنا في الفصل الأوّل أنّالمغالبة و الممانعة إنّما تكونبالعصبيّة لما فيها من النّعرة و التّذامر(1) و استماتة كلّ واحد منهم دون صاحبه. ثمّإنّ الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميعالخيرات الدّنيويّة و الشّهوات البدنيّةو الملاذّ النّفسانيّة فيقع فيه التّنافسغالبا و قلّ أن يسلّمه أحد لصاحبه إلّا إذاغلب عليه فتقع المنازعة و تفضي إلى الحرب والقتال و المغالبة و شيء منها لا يقعإلّا بالعصبيّة كما ذكرناه آنفا و هذاالأمر بعيد عن أفهام الجمهور بالجملة ومتناسون له لأنّهم نسوا عهد تمهيد الدّولةمنذ أوّلها و طال أمد مرباهم في الحضارة وتعاقبهم فيها جيلا بعد جيل فلا يعرفون مافعل الله أوّل الدّولة إنّما يدركون أصحابالدّولة و قد استحكمت صبغتهم و وقعالتّسليم لهم و الاستغناء عن العصبيّة فيتمهيد أمرهم و لا يعرفون كيف كان الأمر منأوّله و ما لقي أوّلهم من المتاعب دونه(1) تذامر القوم: حضّ بعضهم بعضا علىالقتال.