الفصل العاشر في أي أصناف الناس يحترفبالتجارة و أيهم ينبغي له اجتناب حرفها
قد قدّمنا (1) أنّ معنى التّجارة تنميةالمال بشراء البضائع و محاولة بيعها بأغلىمن ثمن الشّراء إمّا بانتظار حوالةالأسواق أو نقلها إلى بلد هي فيه أنفق وأغلى أو بيعها بالغلاء على الآجال. و هذاالرّبح بالنّسبة إلى أصل المال يسير إلّاأنّ المال إذا كان كثيرا عظم الرّبح لأنّالقليل في الكثير كثير. ثمّ لا بدّ فيمحاولة هذه التّنمية الّذي هو الربح منحصول هذا المال بأيدي الباعة في شراءالبضائع و بيعها، و معاملتهم في تقاضيأثمانها. و أهل النّصفة قليل، فلا بدّ منالغشّ و التّطفيف المجحف بالبضائع و منالمطل في الأثمان المجحف بالرّبح.
كتعطيل المحاولة في تلك المدّة و بهانماؤه. و من الجحود و الإنكار المسحت لرأسالمال إن لم يتقيّد بالكتاب و الشّهادة، وغنى الحكّام في ذلك قليل لأنّ الحكم إنّماهو على الظّاهر، فيعاني التّاجر من ذلكأحوالا صعبة. و لا يكاد يحصل على ذلكالتّافه من الرّبح إلّا بعظم العناء والمشقّة، أو لا يحصل أو يتلاشى رأس ماله.فإن كان جريئا على الخصومة بصيرا بالحسبانشديد المماحكة مقداما على الحكّام كان ذلكأقرب له إلى النّصفة بجراءته منهم ومماحكته و إلّا فلا بدّ له من جاه يدّرعبه، يوقع له الهيبة عند الباعة و يحملالحكّام على إنصافه من معامليه (2) فيحصل لهبذلك النّصفة في ماله طوعا (3) في الأوّل وكرها في الثّاني و أمّا من كان فاقداللجراءة و الإقدام من نفسه فاقد الجاه منالحكّام فينبغي له أن يجتنب الاحترافبالتّجارة لأنّه يعرّض ماله للضّياع والذّهاب و يصير مأكلة للباعة و لا يكادينتصف منهم (لأنّ الغالب في النّاس
(1) و في نسخة أخرى: قد تقدم لنا.
(2) و في نسخة أخرى: غرمائه.
(3) و في نسخة أخرى: و استخلاص ماله منهمطوعا.