الفصل الثاني و العشرون فيمن حصلت له ملكةفي صناعة فقل أن يجيد بعد في ملكة أخرى - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
النّصرانيّة، كيف استكثرت فيهم الصّنائعو استجلبها الأمم من عندهم. و عجم المغربمن البربر مثل العرب في ذلك لرسوخهم فيالبداوة منذ أحقاب من السنين. و يشهد لكبذلك قلّة الأمصار بقطرهم كما قدّمناه.فالصّنائع بالمغرب لذلك قليلة و غيرمستحكمة الأماكن (1) من صناعة الصّوف مننسجه، و الجلد في خرزه و دبغه. فإنّهم لمّااستحضروا بلغوا فيها المبالغ لعمومالبلوى بها و كون هذين أغلب السّلع فيقطرهم، لما هم عليه من حال البداوة. و أمّاالمشرق فقد رسخت الصّنائع فيه منذ ملكالأمم الأقدمين من الفرس و النّبط و القبطو بني إسرائيل و يونان و الرّوم أحقابامتطاولة، فرسخت فيهم أحوال الحضارة، و منجملتها الصّنائع كما قدّمناه، فلم يمحرسمها. و أمّا اليمن و البحرين و عمان والجزيرة و إن ملكه العرب إلّا أنّهمتداولوا ملكه آلافا من السّنين في أممكثيرين (2) منهم. و اختطّوا أمصاره و مدنه وبلغوا الغاية من الحضارة و التّرف مثل عادو ثمود و العمالقة و حمير من بعدهم. والتّبابعة و الأذواء فطال أمد الملك والحضارة و استحكمت صبغتها و توفّرتالصّنائع و رسخت، فلم تبل ببلى الدّولةكما قدّمناه.
فبقيت مستجدّة حتّى الآن. و اختصّت بذلكللوطن، كصناعة الوشي و العصب و ما يستجادمن حوك الثّياب و الحرير فيها و الله وارثالأرض و من عليها و هو خير الوارثين.
الفصل الثاني و العشرون فيمن حصلت له ملكةفي صناعة فقل أن يجيد بعد في ملكة أخرى
و مثال ذلك الخيّاط إذا أجاد ملكة الخياطةو أحكمها و رسخت في نفسه فلا يجيد من بعدهاملكة النّجارة أو البناء إلّا أن تكونالأولى لم تستحكم بعد و لم ترسخ صبغتها. والسّبب في ذلك أنّ الملكات صفات للنّفس وألوان فلا تزدحم