تقلّص ظلّ الدّولة عنهم منذ عقود منالسّنين فاستغلبوا على أمصارهم واستبدّوا بأمرها على الدّولة في الأحكام والجباية. و أعطوا طاعة معروفة و صفقةممرّضة و أقطعوها جانبا من الملاينة والملاطفة و الانقياد و هم بمعزل عنه. وأورثوا ذلك أعقابهم لهذا العهد. و حدث فيخلفهم (1) من الغلظة و التّجبّر ما يحدثلأعقاب الملوك و خلفهم و نظّموا أنفسهم فيعداد السّلاطين على قرب عهدهم بالسّوقةحتّى محا ذلك مولانا أمير المؤمنين أبوالعبّاس و انتزع ما كان بأيديهم من ذلك كمانذكره في أخبار الدّولة. و قد كان مثل ذلكوقع في آخر الدّولة الصّنهاجيّة و استقلّبأمصار الجريد أهلها و استبدّوا علىالدّولة حتّى انتزع ذلك منهم شيخالموحّدين و ملكهم عبد المؤمن بن عليّ ونقلهم من إماراتهم بها إلى المغرب و محا منتلك البلاد آثارهم كما نذكر في أخباره. وكذا وقع بسبتة لآخر دولة بني عبد المؤمن.
و هذا التّغلّب يكون غالبا في أهلالسّروات و البيوتات المرشّحين للمشيخة والرّئاسة في المصر، و قد يحدث التّغلّبلبعض السّفلة من الغوغاء و الدّهماء. و إذاحصلت له العصبيّة و الالتحام بالأوغادلأسباب يجرّها له المقدار فيتغلّب علىالمشيخة و العلية إذا كانوا فاقدينللعصابة و الله سبحانه و تعالى غالب علىأمره.
الفصل الثاني و العشرون في لغات أهلالأمصار
اعلم أنّ لغات أهل الأمصار إنّما تكونبلسان الأمّة أو الجيل الغالبين عليها أوالمختطّين لها و لذلك كانت لغات الأمصارالإسلاميّة كلّها بالمشرق و المغرب لهذاالعهد عربيّة و إن كان اللّسان العربيّالمضريّ قد فسدت ملكته و تغيّر إعرابه والسّبب في ذلك ما وقع للدّولة الإسلاميّةمن الغلب على الأمم و الدّين و الملّة صورة
(1) و في نسخة أخرى: خلقهم.