الفصل الثالث في أن المدن العظيمة والهياكل المرتفعة إنما يشيدها الملكالكثير
قد قدّمنا ذلك في آثار الدّولة من المبانيو غيرها و أنّها تكون على نسبتها و ذلك أنّتشييد المدن إنّما يحصل باجتماع الفعلة وكثرتهم و تعاونهم فإذا كانت الدّولة عظيمةمتّسعة الممالك حشر الفعلة من أقطارها وجمعت أيديهم على عملها و ربّما استعين فيذلك في أكثر الأمر بالهندام الّذي يضاعفالقويّ و القدر في حمل أثقال البناء لعجزالقوّة البشريّة و ضعفها عن ذلك كالمخّال(1) و غيره و ربّما يتوهّم كثير من النّاسإذا نظر إلى آثار الأقدمين و مصانعهمالعظيمة مثل إيوان كسرى و أهرام مصر وحنايا المعلّقة و شرشال بالمغرب إنّماكانت بقدرهم متفرّقين أو مجتمعين فيتخيّللهم أجساما تناسب ذلك أعظم من هذه بكثير فيطولها و قدرها لتناسب بينها و بين القدرالّتي صدرت تلك المباني عنها و يغفل عن شأنالهندام و المخّال و ما اقتضته في ذلكالصّناعة الهندسيّة و كثير من المتغلّبينفي البلاد يعاين في شأن البناء و استعمالالحيل في نقل الأجرام عند أهل الدّولةالمعتنين بذلك من العجم ما يشهد له بماقلناه عيانا و أكثر آثار الأقدمين لهذاالعهد تسمّيها(1) لم نعثر على هذه الكلمة في القاموس و لافي لسان العرب. و المعروف المخل و هو آلةحديدية تستعمل لرفع الحجارة.