الفصل السابع و العشرون في أن العرب لايحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أوولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة
و السّبب في ذلك أنّهم لخلق التّوحّشالّذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعضللغلظة و الأنفة و بعد الهمّة و المنافسةفي الرّئاسة فقلّما تجتمع أهواؤهم فإذاكان الدّين بالنّبوءة أو الولاية كانالوازع لهم من أنفسهم و ذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم و اجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدّين المذهب للغلظة والأنفة الوازع عن التّحاسد و التّنافسفإذا كان فيهم النّبيّ أو الوليّ الّذييبعثهم على القيام بأمر الله يذهب عنهممذمومات الأخلاق و يأخذهم بمحمودها ويؤلّف كلمتهم لإظهار الحقّ تمّ اجتماعهم وحصل لهم التّغلّب و الملك و هم مع ذلك أسرعالنّاس قبولا للحقّ و الهدى لسلامة طباعهممن عوج الملكات و براءتها من ذميم الأخلاقإلّا ما كان من خلق التّوحّش القريبالمعاناة المتهيّئ لقبول الخير ببقائهعلى الفطرة الأولى و بعده عمّا ينطبع فيالنّفوس من قبيح العوائد و سوء الملكاتفإنّ كلّ مولود يولد على الفطرة كما ورد فيالحديث و قد تقدّم.
الفصل الثامن و العشرون في أن العرب أبعدالأمم عن سياسة الملك
و السّبب في ذلك أنّهم أكثر بداوة من سائرالأمم و أبعد مجالا في القفر و أغنى عنحاجات التّلول و حبوبها لاعتيادهم الشّظفو خشونة العيش فاستغنوا عن غيرهم فصعبانقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتّوحّش و رئيسهم محتاج إليهم