الفصل التاسع و العشرون في معنى البيعة
(1) اعلم أنّ البيعة هي العهد على الطّاعةكأنّ المبايع يعاهد أميره على أنّه يسلّمله النّظر في أمر نفسه و أمور المسلمين لاينازعه في شيء من ذلك و يطيعه فيمايكلّفه به من الأمر على المنشّط و المكره وكانوا إذا بايعوا الأمير و عقدوا عهدهجعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد فأشبهذلك فعل البائع و المشتري فسمّي بيعة مصدرباع و صارت البيعة مصافحة بالأيدي هذامدلولها في عرف اللّغة و معهود الشّرع و هوالمراد في الحديث في بيعة النّبيّ صلّىالله عليه وسلّم ليلة العقبة و عندالشّجرة و حيثما ورد هذا اللّفظ و منه بيعةالخلفاء و منه أيمان البيعة كان الخلفاءيستحلفون على العهد و يستوعبون الأيمانكلّها لذلك فسمّي هذا الاستيعاب أيمانالبيعة و كان الإكراه فيها أكثر و أغلب ولهذا لمّا أفتى مالك رضي الله عنه بسقوطيمين الإكراه أنكرها الولاة عليه و رأوهاقادحة في أيمان البيعة، و وقع ما وقع منمحنة الإمام رضى الله عنه و أمّا البيعةالمشهورة لهذا العهد فهي تحيّة الملوكالكسرويّة من تقبيل الأرض أو اليد أوالرّجل أو الذّيل أطلق عليها اسم البيعةالّتي هي العهد على الطّاعة مجازا لما كانهذا الخضوع في التّحيّة و التزام الآدابمن لوازم الطّاعة و توابعها و غلب فيه حتّىصارت حقيقيّة عرفيّة و استغنى بها عنمصافحة أيدي النّاس الّتي هي الحقيقة فيالأصل لما في المصافحة لكلّ أحد منالتّنزّل و الابتذال المنافيين للرّئاسةو صون المنصب الملوكيّ إلّا في الأقلّ(1) البيعة بفتح الموحدة أما بكسرها علىوزن شيعة بسكون الياء فيها فهي معبدالنصارى. 1 هـ-.