فتجد كثيرا من السّوقة يسعى في التّقرّبمن السّلطان بجدّه و نصحه و يتزلّف إليهبوجوه خدمته و يستعين على ذلك بعظيم منالخضوع و التّملّق له و لحاشيته و أهلنسبه، حتّى يرسّخ قدمه معهم و ينظّمهالسّلطان في جملته فيحصل له بذلك حظّ عظيممن السّعادة و ينتظم في عدد أهل الدّولة وناشئة الدّولة حينئذ من أبناء قومهاالّذين ذلّلوا أضغانهم (1) و مهّدواأكنافهم مغترّين بما كان لآبائهم في ذلكمن الآثار لم تسمح (2) به نفوسهم علىالسّلطان و يعتدّون بآثاره و يجرون فيمضمار الدّولة بسببه فيمقتهم السّلطانلذلك و يباعدهم. و يميل إلى هؤلاءالمصطنعين الّذين لا يعتدّون بقديم و لايذهبون إلى دالّة و لا ترفّع. إنّما دأبهمالخضوع له و التّملّق و الاعتمال في غرضهمتى ذهب إليه فيتّسع جاههم و تعلو منازلهمو تنصرف إليهم الوجوه و الخواطر (3) بمايحصل لهم من قبل (4) السّلطان و المكانةعنده و يبقى ناشئة الدّولة (5) فيما هم فيهمن التّرفّع و الاعتداد بالقديم لا يزيدهمذلك إلّا بعدا من السّلطان و مقتا و إيثارالهؤلاء المصطنعين عليهم إلى أن تنقرضالدّولة. و هذا أمر طبيعيّ في الدّولة ومنه جاء شأن المصطنعين في الغالب و اللهسبحانه و تعالى أعلم و به التّوفيق لا ربّسواه.
الفصل السابع في أن القائمين بأمور الدينمن القضاء و الفتيا و التدريس و الإمامة والخطابة و الأذان و نحو ذلك لا تعظم ثروتهمفي الغالب
و السّبب لذلك أنّ الكسب كما قدّمناه قيمةالأعمال و أنّها متفاوتة بحسب الحاجةإليها. فإذا كانت الأعمال ضروريّة فيالعمران عامّة البلوى به كانت قيمتهاأعظم
(1) و في نسخة أخرى: صعابها.
(2) و في نسخة أخرى: تشمخ.
(3) و في نسخة أخرى: الخواص.
(4) و في نسخة أخرى: من ميل.
(5) و في النسخة الباريسية: ناشئة السلطان.