ما هو معروف و سبب ذلك أنّ الوحي كماقرّرنا مفارقة البشريّة إلى المداركالملكيّة و تلقّي كلام النّفس فيحدث عنهشدّة من مفارقة الذّات ذاتها و انسلاخهاعنها من أفقها إلى ذلك الأفق الآخر و هذاهو معنى الغطّ الّذي عبّر به في مبدإ الوحيفي قوله «فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ثمّأرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ و كذاثانية و ثالثة». كما في الحديث و قد يفضيالاعتياد بالتّدريج فيه شيئا فشيئا إلىبعض السّهولة بالقياس إلى ما قبله و لذلككان تنزّل نجوم القرآن و سوره و آيه حينكان بمكّة أقصر منها و هو بالمدينة و انظرإلى ما نقل في نزول سورة براءة في غزوةتبوك و أنّها نزّلت كلّها أو أكثرها عليه وهو يسير على ناقته بعد أن كان بمكّة ينزّلعليه بعض السّورة من قصار المفصل في وقت وينزّل الباقي في حين آخر و كذلك كان آخر مانزّل بالمدينة آية الدّين و هي ما هي فيالطّول بعد أن كانت الآية تنزّل بمكّة مثلآيات الرّحمن و الذّاريات و المدثّر والضّحى و الفلق و أمثالها. و اعتبر من ذلكعلامة تميّز بها بين المكّيّ و المدنيّ منالسّور و الآيات و الله المرشد إلىالصّواب. هذا محصّل أمر النّبوة.
الكهانة
و أمّا الكهانة فهي أيضا من خواصّ النّفسالإنسانيّة و ذلك أنّه قد تقدّم لنا فيجميع ما مرّ أنّ للنّفس الإنسانيّةاستعدادا للانسلاخ من البشريّة إلىالرّوحانيّة الّتي فوقها و أنّه يحصل منذلك لمحة للبشر في صنف الأنبياء بما فطرواعليه من ذلك و تقرّر أنّه يحصل لهم من غيراكتساب و لا استعانة بشيء من المدارك ولا من التّصوّرات و لا من الأفعالالبدنيّة كلاما أو حركة و لا بأمر منالأمور إنّما هو انسلاخ من البشريّة إلىالملكيّة بالفطرة في لحظة أقرب من لمحالبصر و إذا كان كذلك و كان ذلك الاستعدادموجودا في الطّبيعة البشريّة فيعطىالتّقسيم العقليّ و إنّ هنا صنفا آخر منالبشر ناقصا عن رتبة الصّنف الأوّل نقصانالضّدّ عن ضدّه الكامل لأنّ عدم الاستعانةفي ذلك الإدراك ضدّ الاستعانة فيه و شتّانما بينهما