الفصل الثامن في أن المباني و المصانع فيالملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلىقدرتها و إلى من كان قبلها من الدول
و السّبب في ذلك ما ذكرنا مثله في البربربعينه إذ العرب أيضا أعرق في البدو و أبعدعن الصّنائع و أيضا فكانوا أجانب منالممالك الّتي استولوا عليها قبل الإسلامو لمّا تملّكوها لم ينفسح الأمد حتّىتستوفي رسوم الحضارة مع أنّهم استغنوا بماوجدوا من مباني غيرهم و أيضا فكان الدّينأوّل الأمر مانعا من المغالاة أو البنيانو الإسراف فيه في غير القصد كما عهد لهمعمر حين استأذنوه في بناء الكوفة بالحجارةو قد وقع الحريق في القصب الّذي كانوا بنوابه من قبل فقال افعلوا و لا يزيدنّ أحد علىثلاثة أبيات و لا تطاولوا في البنيان والزموا السّنّة تلزمكم الدّولة و عهد إلىالوفد و تقدّم إلى النّاس أن لا يرفعوابنيانا فوق القدر قالوا: و ما القدر؟ قال:«لا يقرّبكم من السّرف و لا يخرجكم عنالقصد».فلمّا بعد العهد بالدّين و التّحرّج فيأمثال هذه المقاصد و غلبت طبيعة الملك والتّرف و استخدم العرب أمّة الفرس و أخذواعنهم الصّنائع و المباني و دعتهم إليهاأحوال الدّعة و التّرف فحينئذ شيّدواالمباني و المصانع و كان عهد ذلك قريبابانقراض الدّولة و لم ينفسح الأمد لكثرةالبناء و اختطاط المدن و الأمصار إلّاقليلا و ليس كذلك غيرهم من الأمم فالفرسطالت مدّتهم آلافا من السّنين و كذلكالقبط و النّبط و الرّوم و كذلك العربالأولى من عاد و ثمود و العمالقة والتّبابعة طالت آمادهم و رسخت الصّنائعفيهم فكانت مبانيهم و هياكلهم أكثر عددا وأبقى على الأيّام أثرا و استبصر في هذاتجده كما قلت و الله وارث الأرض و من عليها