الفصل العشرون في اختصاص بعض الأمصارببعض الصنائع دون بعض
و ذلك أنّه من البيّن أنّ أعمال أهل المصريستدعي بعضها بعضا لما في طبيعة العمرانمن التّعاون و ما يستدعي من الأعمال يختصّببعض أهل المصر فيقومون عليه و يستبصرونفي صناعته و يختصّون بوظيفته و يجعلونمعاشهم فيه و رزقهم منه لعموم البلوى به فيالمصر و الحاجة إليه. و ما لا تستدعي فيالمصر يكون غفلا إذ لا فائدة لمنتحله فيالاحتراف به. و ما يستدعي من ذلك لضرورةالمعاش فيوجد في كلّ مصر كالخيّاط والحدّاد و النّجّار و أمثالها و ما يستدعيلعوائد التّرف و أحواله فإنّما يوجد فيالمدن المستبحرة في العمارة الآخذة فيعوائد التّرف و الحضارة مثل الزّجّاج والصّائغ و الدّهّان و الطّبّاخ و الصّفّارو السّفّاج و الفرّاش و الذّبّاح و أمثالهذه و هي متفاوتة. و بقدر ما تزيد الحضارة وتستدعي أحوال التّرف تحدث صنائع لذلكالنّوع فتوجد بذلك المصر دون غيره و من هذاالباب الحمّامات لأنّها إنّما توجد فيالأمصار المستحضرة المستبحرة العمران لمايدعو إليه التّرف و الغنى من التّنعّم ولذلك لا تكون في المدن المتوسّطة. و إن نزعبعض الملوك و الرّؤساء إليها فيختطّها ويجري أحوالها. إلّا أنّها إذا لم تكن لهاداعية من كافّة النّاس فسرعان ما تهجر وتخرب و تفرّ عنها القومة لقلّة فائدتهم ومعاشهم منها. و الله يقبض و يبسط.
الفصل الحادي و العشرون في وجود العصبيةفي الأمصار و تغلب بعضهم على بعض
من البيّن أنّ الالتحام و الاتّصال موجودفي طباع البشر و إن لم يكونوا أهل نسب واحدإلّا أنّه كما قدّمناه أضعف ممّا يكونبالنّسب و أنّه تحصل به العصبيّة