الفصل السادس عشر في كشف الغطاء عنالمتشابه من الكتاب و السنة و ما حدث لأجلذلك من طوائف السنّية و المبتدعة فيالاعتقادات
اعلم أنّ الله سبحانه بعث إلينا نبيّنامحمّدا صلّى الله عليه وسلّم يدعونا إلىالنجاة و الفوز بالنّعيم، و أنزل عليهالكتاب الكريم باللّسان العربيّ المبين،يخاطبنا فيه بالتكاليف المفضية بنا إلىذلك. و كان في خلال هذا الخطاب، و منضروراته، ذكر صفاته سبحانه و أسمائه،ليعرّفنا بذاته، و ذكر الروح المتعلّقةبنا، و ذكر الوحي و الملائكة، الوسائطبينه و بين رسله إلينا. و ذكر لنا يوم البعثو إنذاراته و لم يعيّن لنا الوقت في شيءمنه. و ثبّت في هذا القرآن الكريم حروفا منالهجاء مقطّعة في أوائل بعض سوره، لا سبيللنا إلى فهم المراد بها. و سمّى هذهالأنواع كلّها من الكتاب متشابها. و ذمّعلى اتباعها فقال تعالى: «هُوَ الَّذِيأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُآياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِوَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّاالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌفَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَتَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُإِلَّا الله، وَ الرَّاسِخُونَ فيالْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به كُلٌّمن عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُإِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ 3: 7 (1)» و حملالعلماء من سلف الصحابة و التابعين هذهالآية على أنّ المحكمات هي المبيّناتالثابتة الأحكام. و لذا قال الفقهاء فياصطلاحهم:
المحكم المتّضح المعنى. و أمّاالمتشابهات فلهم فيها عبارات. فقيل هيالّتي تفتقر إلى نظر و تفسير يصحّحمعناها، لتعارضها مع آية أخرى أو معالعقل، فتخفى دلالتها و تشتبه. و على هذاقال ابن عبّاس: «المتشابه يؤمن به و لايعمل به» و قال مجاهد و عكرمة: «كلّما سوىآيات الأحكام و القصص متشابه»
(1) الآية من سورة آل عمران.