ممّن يقصد التّواضع من الملوك فيأخذ بهنفسه مع خواصّه و مشاهير أهل الدّين منرعيّته فافهم معنى البيعة في العرف فإنّهأكيد على الإنسان معرفته لما يلزمه من حقّسلطانه و إمامه و لا تكون أفعاله عبثا ومجّانا و اعتبر ذلك من أفعالك مع الملوك والله القويّ العزيز.
الفصل الثلاثون في ولاية العهد
اعلم أنّا قدّمنا الكلام في الإمامة ومشروعيّتها لما فيها من المصلحة و أنّحقيقتها للنّظر في مصالح الأمّة لدينهم ودنياهم فهو وليّهم و الأمين عليهم ينظرلهم ذلك في حياته و يتبع ذلك أن ينظر لهمبعد مماته و يقيم لهم من يتولّى أمورهم كماكان هو يتولّاها و يثقون بنظره لهم في ذلككما وثقوا به فيما قبل و قد عرف ذلك منالشّرع بإجماع الأمّة على جوازه و انعقادهإذ وقع بعهد أبي بكر رضي الله عنه لعمربمحضر من الصّحابة و أجازوه و أوجبوا علىأنفسهم به طاعة عمر رضي الله عنه و عنهم وكذلك عهد عمر في الشّورى إلى السّتّةبقيّة العشرة و جعل لهم أن يختارواللمسلمين ففوّض بعضهم إلى بعض حتّى أفضىذلك إلى عبد الرّحمن بن عوف فاجتهد و ناظرالمسلمين فوجدهم متّفقين على عثمان و علىعليّ فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقتهإيّاه على لزوم الاقتداء بالشّيخين في كلّما يعنّ دون اجتهاده فانعقد أمر عثمانلذلك و أوجبوا طاعته و الملأ من الصّحابةحاضرون للأولى و الثّانية و لم ينكره أحدمنهم فدلّ على أنّهم متّفقون على صحّة هذاالعهد عارفون بمشروعيّته.
و الإجماع حجّة كما عرف و لا يتّهم الإمامفي هذا الأمر و إن عهد إلى أبيه أو ابنهلأنّه مأمون على النّظر لهم في حياتهفأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته