الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضرللأحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعةمنهم
و ذلك أنّه ليس كلّ أحد مالك أمر نفسه إذالرّؤساء و الأمراء المالكون لأمر النّاسقليل بالنّسبة إلى غيرهم فمن الغالب أنيكون الإنسان في ملكة غيره، و لا بدّ فإنكانت الملكة رفيقة و عادلة لا يعاني منهاحكم و لا منع و صدّ كان النّاس من تحت يدهامدلين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبنواثقين بعدم الوازع حتّى صار لهم الإذلالجبلّة لا يعرفون سواها و أمّا إذا كانتالملكة و أحكامها بالقهر و السّطوة والإخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم و تذهبالمنعة عنهم لما يكون من التّكاسل فيالنّفوس المضطهدة كما نبيّنه و قد نهى عمرسعدا رضي الله عنهما عن مثلها لمّا أخذزهرة بن حوبة سلب الجالنوس و كانت قيمتهخمسة و سبعين ألفا من الذّهب و كان اتّبعالجالنوس يوم القادسيّة فقتله و أخذ سلبهفانتزعه منه سعد و قال له هلّا انتظرت فياتّباعه إذني و كتب إلى عمر يستأذنه فكتبإليه عمر تعمد إلى مثل زهرة و قد صلّى بماصلّى به (1) و بقي عليك ما بقي من حربك و تكسرفوقه (2) و تفسد قلبه و أمضى له عمر سلبه وأمّا إذا كانت الأحكام بالعقاب فمذهبةللبأس بالكلّيّة لأنّ وقوع العقاب به و لميدافع عن نفسه يكسبه المذلّة الّتي تكسرمن سورة بأسه بلا شكّ و أمّا إذا كانتالأحكام تأديبيّة و تعليميّة و أخذت منعهد الصّبا أثّرت في ذلك بعض الشّيءلمرباه على المخافة و الانقياد(1) بمعنى قاسي شدائد الحرب.(2) تثبط همته.