الفصل الرابع و العشرون في أن الأمة إذاغلبت و صارت في ملك غيرها أسرع إليهاالفناء
و السّبب في ذلك و الله أعلم ما يحصل فيالنّفوس من التّكاسل إذا ملك أمرها عليهاو صارت بالاستعباد آلة لسواها و عالةعليهم فيقصر الأمل و يضعف التّناسل والاعتمار إنّما هو عن جدّة الأمل و ما يحدثعنه من النّشاط في القوى الحيوانيّة فإذاذهب الأمل بالتّكاسل و ذهب ما يدعو إليه منالأحوال و كانت العصبيّة ذاهبة بالغلبالحاصل عليهم تناقص عمرانهم و تلاشتمكاسبهم و مساعيهم و عجزوا عن المدافعة عنأنفسهم بما خضد (1) الغلب من شوكتهم فأصبحوامغلّبين لكلّ متغلّب و طعمة لكلّ آكل وسواء كانوا حصلوا على غايتهم من الملك أملم يحصلوا. و فيه و الله أعلم سرّ آخر و هوأنّ الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلافالّذي خلق له و الرّئيس إذا غلب على رئاستهو كبح عن غاية عزّه تكاسل حتّى عن شبع بطنهو ريّ كبده و هذا موجود في أخلاق الأناسيّ.و لقد يقال مثله في الحيوانات المفترسة وإنّها لا تسافد إلّا إذا كانت في ملكةالآدميّين فلا يزال هذا القبيل المملوكعليه أمره في تناقص و اضمحلال إلى أنيأخذهم الفناء و البقاء للَّه وحده واعتبر ذلك في أمّة الفرس كيف كانت قد ملأتالعالم كثرة و لمّا فنيت حاميتهم في أيّامالعرب بقي منهم كثير و أكثر من الكثير يقالإنّ سعدا أحصى ما وراء المدائن فكانوامائة ألف و سبعة و ثلاثين ألفا منهم سبعة وثلاثون(1) خضد: خضدا العود: كسره و لم يبن.