الفصل الثامن و الثلاثون في الجباية و سببقلتها و كثرتها
اعلم أنّ الجباية أوّل الدّولة تكونقليلة الوزائع كثيرة الجملة و آخر الدّولةتكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة و السّببفي ذلك أنّ الدّولة إن كانت على سنن الدّينفليست تقتضي إلّا المغارم الشّرعيّة منالصّدقات و الخراج و الجزية و هي قليلةالوزائع لأنّ مقدار الزّكاة من المال قليلكما علمت و كذا زكاة الحبوب و الماشية وكذا الجزية و الخراج و جميع المغارمالشّرعيّة و هي حدود لا تتعدّى و إن كانتعلى سنن التّغلّب و العصبيّة فلا بدّ منالبداوة في أوّلها كما تقدّم و البداوةتقتضي المسامحة و المكارمة و خفض الجناح والتّجافي عن أموال النّاس و الغفلة عنتحصيل ذلك إلّا في النّادر فيقلّ لذلكمقدار الوظيفة الواحدة و الوزيعة الّتيتجمع الأموال من مجموعها و إذا قلّتالوزائع و الوظائف على الرّعايا نشطوللعمل و رغبوا فيه فيكثر الاعتمار ويتزايد لحصول الاغتباط بقلّة المغرم و إذاكثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف والوزائع فكثرت الجباية الّتي هي جملتهافإذا استمرّت الدّولة و اتّصلت و تعاقبملوكها واحدا بعد واحد و اتّصفوا بالكيس وذهب سرّ (1) البداوة و السّذاجة و خلقها منالإغضاء و التّجافي و جاء الملك العضوض (2)و الحضارة الدّاعية إلى الكيس و تخلّق أهلالدّولة حينئذ بخلق التّحذلق و تكثّرتعوائدهم و حوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه منالنّعيم و التّرف فيكثّرون الوظائف والوزائع حينئذ على الرّعايا و الأكرة (3) والفلّاحين و سائر أهل(1) و في نسخة أخرى شرّ و لعلها محرفة منكلمة أثر كما يقتضي معنى السياق.(2) ج العضّ: الشديد القوي (المنجد).(3) الأكرة ج أكار و أكارون: الحراث(المنجد).