أصناف النفوس البشرية - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
و مرتقيّة إلى القوّة العليا منها و منالمفكّرة الّتي يعبّر عنها بالنّاطقيّةفقوى الحسّ الظّاهرة بآلاته من السّمع والبصر و سائرها يرتقي إلى الباطن و أوّلهالحسّ المشترك و هو قوّة تدرك المحسوساتمبصرة و مسموعة و ملموسة و غيرها في حالةواحدة و بذلك فارقت قوّة الحسّ الظّاهرلأنّ المحسوسات لا تزدحم عليها في الوقتالواحد ثمّ يؤدّيه الحسّ المشترك إلىالخيال و هي قوة تمثّل الشّيء المحسوس فيالنّفس كما هو مجرّد عن الموادّ الخارجةفقط و آلة هاتين القوتين في تصريفهماالبطن الأوّل من الدّماغ مقدّمه للأولى ومؤخّره للثّانية ثمّ يرتقي الخيال إلىالواهمة و الحافظة فالواهمة لإدراكالمعاني المتعلّقة بالشّخصيّات كعداوةزيد و صداقة عمرو و رحمة الأب و افتراسالذّئب و الحافظة لإيداع المدركات كلّهامتخيّلة و هي لها كالخزانة تحفظها لوقتالحاجة إليها و آلة هاتين القوتين فيتصريفهما البطن المؤخّر من الدّماغ أوّلهللأولى و مؤخّره للأخرى ثمّ ترتقي جميعهاإلى قوّة الفكر و آلته البطن الأوسط منالدّماغ و هي القوّة الّتي يقع بها حركةالرّؤية و التّوجّه نحو التّعقّل فتحرّكالنّفس بها دائما لما ركب فيها من النّزوعللتّخلّص من درك القوّة و الاستعداد الّذيللبشريّة و تخرج إلى الفعل في تعقّلهامتشبّهة بالملإ الأعلى الرّوحانيّ و تصيرفي أوّل مراتب الرّوحانيّات في إدراكهابغير الآلات الجسمانيّة فهي متحرّكةدائما و متوجّهة نحو ذلك و قد تنسلخبالكلّيّة من البشريّة و روحانيّتها إلىالملكيّة من الأفق الأعلى من غير اكتساببل بما جعل الله فيها من الجبلة و الفطرةالأولى في ذلك.
أصناف النفوس البشرية
إنّ النّفوس البشريّة على ثلاثة أصناف:صنف عاجز بالطّبع عن الوصول فينقطعبالحركة إلى الجهة السّفلى نحو المداركالحسّيّة و الخياليّة و تركيب المعاني منالحافظة و الواهمة على قوانين محصورة وترتيب خاصّ يستفيدون به العلومالتّصوّريّة و التّصديقيّة الّتي للفكرفي البدن و كلّها خياليّ منحصر نطاقه إذ