الفصل السابع عشر في أن الحضارة فيالأمصار من قبل الدول و أنها ترسخ باتصالالدولة و رسوخها
و السّبب في ذلك أنّ الحضارة هي أحوالعاديّة زائدة على الضّروريّ من أحوالالعمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرّفه وتفاوت الأمم (2) في القلّة و الكثرة تفاوتاغير منحصر و تقع فيها عند كثرة التّفنّن فيأنواعها و أصنافها فتكون بمنزلة الصّنائعو يحتاج كلّ صنف منها إلى القومة عليه والمهرة فيه و بقدر ما يتزيّد من أصنافهاتتزيّد أهل صناعتها و يتلوّن ذلك الجيلبها و متى اتّصلت الأيّام و تعاقبت تلكالصّناعات (3) حذق أولئك الصّنّاع فيصناعتهم و مهروا في معرفتها و الأعصاربطولها و انفساح أمدها و تكرير أمثالهاتزيدها استحكاما و رسوخا و أكثر ما يقع ذلكفي الأمصار لاستجار العمران و كثرة الرّفهفي أهلها. و ذلك كلّه إنّما يجيء من قبلالدّولة لأنّ الدّولة تجمع أموالالرّعيّة و تنفقها في بطانتها و رجالها وتتّسع أحوالهم بالجاه أكثر من اتّساعهابالمال فيكون دخل تلك الأموال من الرّعاياو خرجها في(1) و في النسخة الباريسية: الحكم.(2) و في النسخة الباريسية: تفاوت الأمر.(3) و في النسخة الباريسية: الصبغات.