و الاستماتة كما قلناه فلم يقف لهم شيء واعتبر ذلك إذا حالت صبغة الدّين و فسدت كيفينتقض الأمر و يصير الغلب على نسبةالعصبيّة وحدها دون زيادة الدّين فتغلبالدّولة من كان تحت يدها من العصائبالمكافئة لها أو الزّائدة القوّة عليهاالّذين غلبتهم بمضاعفة الدّين لقوّتها ولو كانوا أكثر عصبيّة منها و أشدّ بداوة واعتبر هذا في الموحّدين مع زناتة لمّاكانت زناتة أبدى (1) من المصامدة و أشدّتوحّشا و كان للمصامدة الدّعوة الدّينيّةباتّباع المهديّ فلبسوا صبغتها و تضاعفتقوّة عصبيّتهم بها فغلبوا على زناتة أوّلاو استتبعوهم و إن كانوا من حيث العصبيّة والبداوة أشدّ منهم فلمّا خلوا من تلكالصّبغة الدّينيّة انتقضت عليهم زناتة منكلّ جانب و غلبوهم على الأمر و انتزعوهمنهم وَ الله غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ 12: 21.
الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غيرعصبية لا تتم
و هذا لما قدّمناه من أنّ كلّ أمر تحملعليه الكافّة فلا بدّ له من العصبيّة و فيالحديث الصّحيح كما مرّ «ما بعث اللهنبيّا إلّا في منعة من قومه» و إذا كان هذافي الأنبياء و هم أولى النّاس بخرقالعوائد فما ظنّك بغيرهم أن لا تخرق لهالعادة في الغلب بغير عصبيّة و قد وقع هذالابن قسيّ شيخ الصّوفية و صاحب كتاب خلعالنّعلين في التّصوّف ثار بالأندلس داعياإلى الحقّ و سمّي أصحابه بالمرابطين قبيلدعوة المهديّ فاستتبّ له الأمر قليلا لشغللمتونة بما دهمهم من أمر الموحّدين و لمتكن هناك عصائب و لا قبائل يدفعونه عن شأنهفلم يلبث حين استولى الموحّدون على المغربأن أذعن لهم و دخل في دعوتهم و تابعهم منمعقلة
(1) أبدى: من البداوة و أبدى أفعل التفضيلمن بدا و معناها أشد بداوة.