قد أقصر عن ذلك لقصور العمران فيه وتناقصه فقد ذهب من عمران البربر فيه أكثرهو نقص عن معهوده نقصا ظاهرا محسوسا، و كادأن يلحق في أحواله بمثل أحوال إفريقية بعدأن كان عمرانه متّصلا من البحر الرّوميّإلى بلاد السّودان في طول ما بين السّوسالأقصى و برقة. و هي اليوم كلّها أو أكثرهاقفار و خلاء و صحارى إلّا ما هو منها بسيفالبحر أو ما يقاربه من التّلول و الله وارثالأرض و من عليها و هو خير الوارثين.
الفصل الخامس عشر في تأثل العقار و الضياعفي الأمصار و حال فوائدها و مستغلاتها
اعلم أنّ تأثّل العقار و الضّياع الكثيرةلأهل الأمصار و المدن لا يكون دفعة واحدة ولا في عصر واحد إذ ليس يكون لأحد منهم منالثّروة ما يملك به الأملاك الّتي تخرجقيمتها عن الحدّ و لو بلغت أحوالهم فيالرّفه ما عسى أن تبلغ.
و إنّما يكون ملكهم و تأثّلهم لها تدريجاإمّا بالوراثة من آبائه و ذوي رحمه حتّىتتأدّى أملاك الكثيرين منهم إلى الواحد وأكثر لذلك (1) أو أن يكون بحوالة الأسواقفإنّ العقار في آخر الدّولة و أوّل الأخرىعند فناء الحامية و خرق السّياج و تداعيالمصر إلى الخراب تقلّ الغبطة به لقلّةالمنفعة فيها بتلاشي الأحوال فترخص قيمهاو تتملّك بالأثمان اليسيرة و تتخطّىبالميراث إلى ملك آخر و قد استجدّ المصرشبابه باستفحال الدّولة الثانية و انتظمتله أحوال رائقة حسنة تحصل معها الغبطة فيالعقار و الضياع لكثرة منافعها حينئذفتعظم قيمها و يكون لها خطر لم يكن فيالأوّل. و هذا معنى الحوالة فيها و يصبحمالكها من أغنى أهل المصر و ليس ذلك بسعيهو اكتسابه إذ قدرته تعجز عن مثل ذلك. و أمّافوائد
(1) و في نسخة أخرى: كذلك.