الفصل الثالث عشر في قصور أهل البادية عنسكنى المصر الكثير العمران
و السّبب في ذلك أنّ المصر الكثير العمرانيكثر ترفه كما قدّمناه و تكثر حاجات ساكنهمن أجل التّرف. و تعتاد تلك الحاجات لمايدعو إليها فتنقلب ضرورات و تصير فيهالأعمال كلّها مع ذلك عزيزة و المرافقغالية بازدحام الأعراض عليها من أجلالتّرف و بالمغارم السّلطانيّة الّتيتوضع على الأسواق و البياعات و تعتبر فيقيم المبيعات و يعظم فيها الغلاء فيالمرافق و الأوقات (1) و الأعمال فتكثر لذلكنفقات ساكنه كثرة بالغة على نسبة عمرانه. ويعظم خرجه فيحتاج حينئذ إلى المال الكثيرللنّفقة على نفسه و عياله في ضرورات عيشهمو سائر مئونتهم (2). و البدويّ لم يكن دخلهكثيرا ساكنا بمكان كاسد الأسواق فيالأعمال الّتي هي سبب الكسب فلم يتأثّلكسبا و لا مالا فيتعذّر عليه من أجل ذلكسكنى المصر الكبير لغلاء مرافقه و عزّةحاجاته. و هو في بدوه يسدّ خلّته بأقلّالأعمال لأنّه قليل عوائد التّرف في معاشهو سائر مئونته (2) فلا يضطرّ إلى المال و كلّمن يتشوّف إلى المصر و سكناه من البادية (3)فسريعا ما يظهر عجزه و يفتضح في استيطانهإلّا من يقدّم (4) منهم تأثّل المال و يحصلله منه فوق الحاجة و يجري إلى الغايةالطّبيعيّة لأهل العمران من الدّعة والتّرف فحينئذ ينتقل إلى المصر و ينتظمحاله مع أحوال أهله في عوائدهم و ترفهم. وهكذا شأن بداءة عمران الأمصار. و الله بكلّشيء محيط.(1) و في نسخة أخرى: الأقوات.(2) و في نسخة أخرى: مؤنهم.(3) و في نسخة أخرى: من أهل البادية.(4) و في نسخة أخرى: تقدم.