الفصل الخامس و العشرون في معنى الخلافة والإمامة - تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
قلّما تكون ملكة الرّفق في من يكون يقظاشديد الذّكاء من النّاس و أكثر ما يوجدالرّفق في الغفّل و المتغفّل و أقلّ مايكون في اليقظ لأنّه يكلّف الرّعيّة فوقطاقتهم لنفوذ نظره فيما وراء مداركهم واطّلاعه على عواقب الأمور في مبادئهابالمعيّة فيهلكون لذلك قال صلّى الله عليهوسلّم «سيروا على سير أضعفكم» و من هذاالباب اشترط الشّارع في الحاكم قلّةالإفراط في الذّكاء، و مأخذه من قصّة زيادابن أبي سفيان لمّا عزله عمر عن العراق وقال له: «لم عزلتني يا أمير المؤمنين ألعجز أم لخيانة» فقال عمر: «لم أعزلكلواحدة منهما و لكنّي كرهت أن أحمل فضلعقلك عن النّاس» فأخذ من هذا أنّ الحاكم لايكون مفرط الذّكاء و الكيس مثل زياد بن أبيسفيان و عمرو بن العاص لما يتبع ذلك منالتّعسّف و سوء الملكة و حمل الوجود على ماليس في طبعه كما يأتي في آخر هذا الكتاب والله خير المالكين و تقرّر من هذا أنّالكيس و الذّكاء عيب في صاحب السّياسةلأنّه إفراط في الفكر كما أنّ البلادةإفراط في الجمود و الطّرفان مذمومان منكلّ صفة إنسانيّة و المحمود هو التّوسّطكما في الكرم مع التّبذير و البخل و كما فيالشّجاعة مع الهوج و الجبن و غير ذلك منالصّفات الإنسانيّة و لهذا يوصف الشّديدالكيس بصفات الشّيطان فيقال شيطان ومتشيطن و أمثال ذلك و الله يخلق ما يشاء وهو العليم القدير.
الفصل الخامس و العشرون في معنى الخلافة والإمامة
لمّا كانت حقيقة الملك أنّه الاجتماعالضّروريّ للبشر و مقتضاه التّغلّب والقهر اللّذان هما من آثار الغضب والحيوانيّة كانت أحكام صاحبه في الغالبجائزة عن الحقّ مجحفة بمن تحت يده من الخلقفي أحوال دنياهم لحملة إيّاهم في الغالبعلى ما ليس في طوقهم من أغراضه و شهواته ويختلف ذلك باختلاف